د.جمال المجايدة
تفيد المراجع التاريخية والابحاث ان عدد من الأباطرة الرومان (القياصرة) كانت لهم أصول من بلاد الشام أو من عائلات تنتمي إلى قبائل عربية، خصوصًا في الفترة المتأخرة من الإمبراطورية الرومانية. ولكن لم يكنوا جميعًا “عربًا” بالمعنى العرقي أو القومي الحديث، بل يمكن القول إنهم كانوا من أصول شرقية (سورية/فينيقية/عربية جزئيًا) وارتقوا في هرم السلطة الروماني.
ويقول الباحث والكاتب الفلسطيني حافظ البرغوثي ان أبرز القياصرة المرتبطين بأصول شامية أو عربية هم :
1. فيليب العربي (Philip the Arab) – حكم 244-249م
اسمه الكامل: ماركوس يوليوس فيليبس.
وُلد في شهبا قرب دمشق (سوريا حالياً).
يُعرف بلقب “العربي” لأن عائلته تنحدر من قبيلة عربية محلية.
يعتبر أول إمبراطور روماني من أصول عربية واضحة.
يُقال إنّه كان ميّالًا للسلام وربما اعتنق المسيحية لاحقًا، لكن هذا محل جدل تاريخي.
2. إيلاجابالوس (Elagabalus) – حكم 218-222م
وُلد في إميسا (حمص) بسوريا.
كان كاهنًا لإله الشمس “إيل جابل” (وهو إله عربي/سوري محلي).
صعد للعرش بدعم من أسرته الحمصية القوية، لكنه عُرف بالغلو الديني والغرابة في السلوك.
أصل عائلته مختلط فينيقي-سوري-عربي.
3. الإمبراطور سبتيميوس سيفيروس (Septimius Severus) – حكم 193-211م
ليس عربياً، لكنه تزوج من جوليا دومنا، وهي سورية من حمص، تنتمي لعائلة كهنة الإله إيل جابل.
ابناه كاراكلا وغيتا، اللذان حكما لاحقاً، يُعتبران من أصل نصف عربي أو سوري.
4. كاراكلا (Caracalla) – حكم 198–217م
ابن جوليا دومنا (سورية)، وبالتالي نصفه من أصول شامية.
ارتبط عهده بالكثير من الحروب والعنف، لكنه منح “حق المواطنة” لكل سكان الإمبراطورية، بما فيهم العرب.
ويشير البرغوثي الى ان خمسة من القياصرة الرومان إمّا كانوا من أصول عربية مباشرة (مثل فيليب العربي)، أو من أمهات سوريات عربيات (مثل كاراكلا)، أو من عائلات شامية لعبت دوراً بارزاً في الحكم. لكن لم تكن “روما” تحت حكم قومية عربية، بل هؤلاء الأباطرة تبنوا الثقافة الرومانية وتحدثوا اللاتينية وأداروا الإمبراطورية وفق مؤسساتها الرومانية
العرب في قلب روما:
في سرديةٍ تخالف التصورات الشائعة عن الحدود الفاصلة بين “الشرق والغرب”، يظهر التاريخ الروماني كمرآة عاكسة لحضارات امتزجت، وأعراق تفاعلت، وكان لـلعرب وسكان بلاد الشام دور مفصلي في مراحل حساسة من عمر الإمبراطورية الرومانية، ليس فقط كمواطنين أو جنود، بل حتى كأباطرة جلسوا على العرش الروماني نفسه.
فيليب العربي: القيصر القادم من شهبا
واحد من أكثر النماذج سطوعًا هو الإمبراطور فيليب العربي (244–249م)، وُلد في بلدة شهبا جنوب سوريا، وكان ينتمي إلى عائلة عربية محلية. صعد بسرعة في هرم السلطة العسكرية حتى أصبح إمبراطورًا بعد اغتيال سلفه غورديان الثالث. خلال حكمه، ساد الهدوء الإمبراطورية لفترة وجيزة، ويُعتقد أن علاقته بالمسيحيين كانت إيجابية لدرجة أن بعض المصادر تشير إلى احتمال اعتناقه للمسيحية، ما يجعله ربما أول إمبراطور مسيحي قبل قسطنطين.
إيلاجابالوس: الكاهن السوري الذي حكم روما
أما إيلاجابالوس (218–222م)، فقد جاء من حمص (إميسا)، وكان كاهنًا لإله الشمس المحلي “إيل جابل”، الذي حمله معه إلى روما محاولًا فرض عبادته هناك، ما أثار الكثير من الجدل بين النخبة الرومانية. عُرف حكمه بالغلوّ الديني والمظاهر الغريبة، لكنه يمثل مثالًا صارخًا على التأثير الديني والثقافي القادم من الشام في قلب العاصمة الرومانية.
المرأة العربية التي حكمت روما من خلف الستار
وراء الستار، كانت هناك شخصيات نسائية عربية لعبت أدوارًا محورية، مثل جوليا دومنا، زوجة الإمبراطور سبتيميوس سيفيروس وأم الإمبراطورين كاراكلا وغيتا. تنحدر جوليا من عائلة دينية سورية كانت تتولى كهانة الإله الشمسي في حمص. لم تكن مجرد إمبراطورة قرينة، بل كانت مفكرة ومثقفة، تدير النقاشات الفلسفية في البلاط، وتُعرف بدورها البارز في الحكم والسياسة، حتى وُصفت بـ”المرأة التي حكمت روما”.
تأثير حضاري وثقافي
لم يكن الوجود العربي في الإمبراطورية الرومانية محصورًا في السلطة، بل امتد إلى:
الجيش: حيث خدم العرب كجنود وفرسان، لا سيما في مناطق الحدود الشرقية.
المدن: مثل تدمر وبصرى وجرش، التي ازدهرت بفنها المعماري والتجاري تحت الحكم الروماني.
اللغة والدين: حيث تسربت رموز دينية عربية كإيل جابل إلى روما، وتأثرت الثقافة الرومانية بالفكر الشرقي.
تاريخ عابر للحدود
تاريخ العرب في الإمبراطورية الرومانية ليس فصلاً طارئًا، بل هو جزء من شبكة التفاعل الحضاري بين المشرق والمغرب، حيث كانت بلاد الشام جسرًا بين الثقافات، ومنبعًا لأفكار وقادة تركوا بصمتهم في واحدة من أعظم الإمبراطوريات في التاريخ .


