د.جمال المجايدة :
في التلال الفلسطينية العتيقة التي تحيط بالضفة الغربية ، تقف أشجار الزيتون الروماني كأعمدة شاهقة في معبد الزمن، شاهدةً على حضارات مضت، وصراعات امتدت لقرون. يُعتقد أن هذه الأشجار، التي يعود عمر بعضها إلى نحو 4000 عام، هي من أقدم الأشجار المثمرة في العالم، ولا تزال تنتج الزيتون حتى اليوم، متحدية عوامل الطبيعة وتغيرات السياسة والحدود.
تنتشر هذه الأشجار المعمّرة في عدد من القرى والبلدات الفلسطينية، أبرزها الولجة غرب بيت لحم، وبيت جالا، والجديرة شمال القدس، ودير غسانة وترمسعيا قرب رام الله، حيث تعتبر رمزًا للهوية الوطنية الفلسطينية ومرآةً لتجذر الإنسان الفلسطيني في أرضه.
يقول الكاتب والباحث الفلسطيني حافظ البرغوثي : “بعض هذه الأشجار تتجاوز أعمارها ثلاثة آلاف وخمسمائة عام، وبعضها قد يصل إلى أربعة آلاف، وهو ما يجعلها من أقدم الأشجار المثمرة المسجلة على مستوى العالم.”
ويضيف: “ما يميز الزيتون الروماني هو قدرته على التجدد والبقاء، فحتى إن احترق أو قُطِع، يعود للنمو من الجذور ذاتها. هذه الخاصية البيولوجية نادرة وتفسر سبب استمرار هذه الأشجار في الحياة رغم كل ما مرّت به.”
ويشير البرغوثي الذي يمتلك عدد من مزارع الزيتون إلى البعد الرمزي لهذه الأشجار: الزيتون الروماني ليس فقط موروثاً زراعياً، بل هو شاهد على التاريخ الفلسطيني بأكمله. جذوره ضاربة في عمق الأرض كما هو حال شعب فلسطين، وأغصانه تحكي قصةً من الصمود الثقافي والبيئي.”
ويوضح حافظ البرغوثي ان تسمية الزيتون الروماني ترجع الى انه شجرة قديمة وليس لان الرومان قد رزعوه في فلسطين !
في قائمة التراث العالمي :
وتسعى مؤسسات محلية ودولية إلى تسجيل هذه الأشجار ضمن قائمة التراث العالمي، وتوفير الحماية القانونية لها من مخاطر التوسع الاستيطاني وتجريف الأراضي، حيث تعرضت العشرات منها في السنوات الأخيرة لاعتداءات متكررة.
وبينما تتزايد الدعوات للحفاظ على هذا الإرث النادر، يبقى الزيتون الروماني رمزًا للصبر والأمل، شاهداً حيًّا على شعب لا تزال جذوره أعمق من أن تُقتلع.
اصل الزيتون في الاندلس !
حسب الروايات التاريخية فان العرب لم يكونوا أول من جلب الزيتون إلى إسبانيا وإيطاليا، لأن شجرة الزيتون كانت موجودة في حوض البحر المتوسط منذ آلاف السنين قبل الفتح الإسلامي للأندلس. لكن العرب والمسلمون كان لهم دور كبير في تطوير زراعته وطرق استخلاص زيته وانتشاره وتحسين أنواعه، خاصة خلال فترة الحكم الإسلامي في الأندلس (711–1492م).
أصول الزيتون:
زُرع الزيتون لأول مرة في منطقة بلاد الشام (فلسطين، سوريا، لبنان)، ومنها انتقل إلى باقي مناطق البحر المتوسط تدريجياً منذ حوالي 6000 سنة، عن طريق الفينيقيين والإغريق والرومان.
الزيتون في إيطاليا وإسبانيا قبل الإسلام:
في إيطاليا، بدأ الرومان بزراعة الزيتون على نطاق واسع قبل الميلاد.
في إسبانيا، جلب الفينيقيون والرومان شجرة الزيتون، وكانت منتشرة فيها قروناً قبل الفتح الإسلامي.
دور العرب والمسلمين:
عندما دخل المسلمون الأندلس في القرن الثامن الميلادي، جلبوا معهم تقنيات زراعية متقدمة، من بينها:
نظام الري بالقنوات والقناطر.
تحسين طرق عصر الزيتون وتخزين زيته.
استخدام الزيتون في الطب والتغذية بشكل موسّع.
تنظيم الزراعة وفق مواسم دقيقة ودفاتر حسابات زراعية.
ساعد المسلمون في نشر زراعة الزيتون في مناطق جديدة داخل الأندلس، كما ساهموا في نقله إلى شمال أفريقيا بشكل أكثر كثافة.
من المؤكد ان شجرة الزيتون كانت موجودة في إسبانيا وإيطاليا قبل الفتح الإسلامي، لكن الحضارة العربية الإسلامية كان لها دور جوهري في تحسين وتوسيع زراعتها، ونشر ثقافتها واستخدامها بشكل أوسع وأكثر تطورًا.







