باكو – جمال المجايدة : زرت العاصمة الأذربيجانية الحديثة باكو، بدعوة من مؤسسة ” الرياضة الناجحة ” العمانية وشركة ” فالكون ترافيل لكشري ” الاذرية لحضور فعاليات كأس العالم للنفط والغاز 2025 لكرة القدم الاسبوع الماضي ,
بمجرد وصولى الى الفندق , رحت اتجول في قلب باكو التي تنبض بناطحات السحاب والمشاريع العمرانية المستقبلية، وزرت المدينة القديمة (Icherisheher) التي تبدو كتحفة معمارية وتاريخية تحكي قصة شعب وثقافة تمتد جذورها لآلاف السنين. إنها القلب التاريخي لأذربيجان، وأول موقع في البلاد يُدرج على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، ما يجعلها من أهم رموز الهوية الوطنية الأذربيجانية، ومن أبرز مقاصد السياحة في منطقة القوقاز.
صفحات من التاريخ
تمتد جذور المدينة القديمة إلى ما قبل الميلاد، وتشير الأدلة الأثرية إلى أنها كانت مأهولة منذ العصر البرونزي. لكن شكلها الحالي يعود في معظمه إلى القرنين الثاني عشر والخامس عشر، حيث كانت مركزًا مزدهرًا لحكم الشروانشاهيين، الذين جعلوا منها قلعة حصينة ومركزًا إداريًا وثقافيًا هامًا.
تُحيط المدينة القديمة بأسوار حجرية ضخمة تم ترميمها بعناية، وتضم في داخلها معالم تاريخية بارزة مثل قصر الشروانشاهيين وبرج الفتاة، إلى جانب العديد من المساجد والحمامات والأسواق التقليدية.
متحف حي مفتوح
التجول داخل أسوار المدينة القديمة أشبه بالسفر عبر الزمن. أزقتها الضيقة المرصوفة بالحجر، والمباني ذات الطابع المعماري القوقازي، تمنح الزائر تجربة فريدة، حيث يلتقي التاريخ بالثقافة المحلية. البيوت القديمة التي تم ترميمها تحولت إلى متاحف صغيرة، أو معارض للفنون، أو حتى بيوت ضيافة ومقاهٍ تقليدية تعبق برائحة الشاي الأذربيجاني.
المدينة القديمة ليست فقط رمزًا تاريخيًا، بل أيضًا فضاءً ثقافيًا نابضًا بالحياة، تستضيف فعاليات فنية وموسيقية، وتشهد حركة فنية معاصرة تنبع من جذورها العريقة.
وجهة سياحية من الطراز الأول
تُعد المدينة القديمة من أبرز الوجهات السياحية في باكو، حيث تستقطب مئات الآلاف من الزوار سنويًا. موقعها المركزي يجعلها نقطة انطلاق مثالية لاكتشاف العاصمة، كما توفر إطلالات خلابة على بحر قزوين والمدينة الحديثة. وتقدم للزوار تجربة شاملة، تجمع بين زيارة المواقع الأثرية، والتسوق في الأسواق التقليدية، وتذوق المأكولات المحلية، وكل ذلك في بيئة آمنة ونظيفة ومضيافة.
تُولي الحكومة الأذربيجانية اهتمامًا خاصًا بحماية هذا الموقع، وتعمل من خلال هيئة “إتشهري شهر” على ترميم الأبنية التاريخية، وتعزيز البنية التحتية السياحية، مع الحفاظ على الطابع التراثي الأصيل.
أهمية اقتصادية متنامية
بالإضافة إلى دورها الثقافي والسياحي، تُسهم المدينة القديمة في الاقتصاد المحلي من خلال تنشيط قطاع السياحة والضيافة والحرف اليدوية. كما أنها أصبحت وجهة مفضلة للمستثمرين في مجال السياحة التراثية، حيث تم تحويل العديد من الأبنية القديمة إلى فنادق بوتيكية ومطاعم راقية تقدم تجارب مستوحاة من التراث الأذربيجاني.
المدينة القديمة تمثل أيضًا صورة أذربيجان في الخارج، حيث تُستخدم في الحملات السياحية الدولية كرمز للتوازن بين الحداثة والأصالة، ما يعزز من صورة البلاد كوجهة ثقافية وحضارية عالمية.
انطباعات شخصية
في زيارتي للمدينة القديمة في باكو، شعرت وكأنني دخلت إلى عالمٍ موازٍ، حيث تتقاطع الأزمنة وتتمازج الثقافات. بين الأزقة الضيقة المرصوفة بالحجر، وتحت ظلال الأبنية العتيقة، تنقلت ببطء كمن يخشى أن تفوته لحظة من هذا السحر. كان كل ركن يحكي قصة، وكل جدار يحمل ذاكرة. جلست في أحد المقاهي التقليدية أحتسي الشاي الأذربيجاني الساخن وأراقب الحياة وهي تنبض حولي بإيقاع هادئ ومحبب. ما أبهرني هو التوازن بين العراقة والحداثة، حيث تتجاور المحلات التقليدية مع المعارض الفنية، وتتجاور الأذواق المحلية مع تطلعات الزوار من كل أنحاء العالم. شعرت بأن المدينة القديمة لا تحكي تاريخ أذربيجان فقط، بل تعبّر عن روحها، وعن كرم شعبها ودفء قلوبهم. لقد كانت زيارتي لها تجربة إنسانية وثقافية لا تُنسى، ستظل محفورة في ذاكرتي كواحدة من أجمل محطات السفر.








