( قم ) ايران – د.جمال المجايدة : الطريق الجبلي المتعرج مابين اصفهان وطهران العاصمة الايرانية يأخذك الي ( قم ) المدينة الدينية المقدسة لدي ائمة الشيعة , فبعد اكثر من اربعة ساعات علي مغادرة اصفهان وصلنا الي ( قم ) وقت الظهر , كان الجو حار وجاف للغاية , تلك هي اجواء المدينة المقدسة التي سمعنا عنها بمجرد عودة الامام الراحل الخميني من منفاه الباريسي الي قيادة الثورة والدولة في ايران عام 1979.
لاشئ في قم سوي المدارس الدينية والمساجد , لااجواء رطبة تخفف تعب السفر, ولا فنادق اومقاه للراحة ولاحتي مطاعم تستقبل زوار المدينة . وكل شئ في المدينة يبعث علي الارق نتيجة للمناخ الصحراوي القاس وانعدام وسائل الراحة , فالحرارة هناك في شهر يوليو تموز تتجاوز الاربعين درجة ,وتكون مؤلمة اكثر في ظل انعدام وسائل تكييف الهواء ,
ويبدو ان الزعماء و العلماء الدينيين لدي الطائفة الشيعية اختاروا ( قم ) لتكون مركزا لهم لكي يتعودوا علي الشدائد وحياة الشظف لكي ينعموا بنعيم الاخرة ! لقد كنا اذن في اصفهان في نعمة كبيرة حتي ولو كانت غرفة الفندق خالية من التلفاز او الهاتف ! ولايوجد بها سوي سجادة الصلاة والحصي وسهم يعلو السرير الصغير يشير الي موقع القبلة , وتلك المزايا ليست في فنادق اصفهان فحسب بل في كل الفنادق الايرانية التي نزلنا بها من شيراز جنوبا حتي سواحل مدينة رامسر علي بحر الخزر أي بحر قزوين .
ونعود ألي قم لمعرفة اسباب ذاك الاختيار ويقال في المراجع الدينية الشيعية ان قدسية المدينة ترجع كونها تحتضن ضريح السيدة فاطمة بنت الامام موسي الكاظم ويعتبر هذا الضريح الذي يعود الي عام 529 هجرية مزارا هاما لدي الشيعة في كل انحاء العالم .
بهدف اضفاء الهالة الدينية علي ( قم ) فان التقليد المتبع هناك هو ان من يريد ان يبني معهدا او مركزا دينيا او مؤسسة ابحاث لابد وان يكون الي جانبها مصلي تقام فيه الصلاة الجماعة ولايخلو شارع في قم من من الماذن او القباب العالية ذات النقوش البديعة .
لدرجة ان بعض المرشدين السياحيين يطلقون علي قم مدينة الماذن .
سكان قم هم من العلماء وطلبة العلم وجميعهم يرتدون العمائم والطاقيات فالمبدئون يرتدون الطاقيات والمتقدمون في العلم يرتدون العمائم وهكذا , وقد تاسست في قم احدي اكبر المؤسسات الدينية في العالم لتخريج العلماء وهي الحوزة العلمية التي تخرج منها مؤسس ايران الاسلامية الامام الراحل الخميني ثم اصبح احد اساتذتها قبل ان ينفيه الشاه الراحل محمد رضا بهلوي الي العراق وتركيا ثم الي باريس في السبعينات .
ويهتم الشيعة بزيارة قم عادة لوجود مراقد كبار مراجع وعلماء الدين فيها ومن ابرزها مقام الامام الثاني عشر لدي الشيعة الامامية المعروف بمسجد جمكران ومراقد العلويين من ابناء الامام علي بن الحسين وابناء العباس عليهم السلام وابراهيم المبرقع كما تضم مكتبة اية الله العظمي المرعشي النجفي التي تعد اكبر مكتبة دينية علمية في ايران حتي الان .
منزل الخميني
ومايلفت نظر الزائر الي ( قم ) منزل الامام الراحل اية الله الخميني , فالمنزل الواقع في حي ( يخجال قاضي ) اشتراه الامام الراحل منذ اكثر من خمسين عاما وهو منزل متواضع جدا يعكس اسلوب حياة الامام الزاهدة , وبعد وفاة الامام الخميني تحول المنزل الي مزار ايضا لانه ابان التحضير للثورة كان مقرا لاصدار التعليمات والبيانات الثورية ضد نظام الشاه ويضم الكثير من الخطب والوثائق والتراث الاسلامي .
وبعد مغادرة ( قم ) تتوقف السيارة قرب ضريح الامام الخميني في جنوب العاصمة طهران والزيارة متاحة للجميع ولكن الحرس يحرص علي التاكد من هوية بعض الزوار الاجانب والتدقيق في الاوراق الثبوتية .
الضريح يتوسط قاعة ضخمة بجواره صورة احمد الخميني نجل الامام الراحل الذي سبق ابيه الي الدار الاخرة ومغطي بكساء من اللون الاخضر تزينه ايات قرانية بالخط الفارسي وتحيط بالضريح ابواب زجاجية مقاومة للرصاص والواح من الالمنيوم يمسك بها الزوار من ابناء الطائفة الشيعية يمضون هناك اوقاتا طويلة مابين الصلاة والدعاء والبكاء والدموع والشكوي , وهناك مدخل مخصص للرجال واخر للنساء لكنهما يلتقيان بجوار الضريح في الداخل والساحة الكبري المحيطة هي عبارة من الرخام الاخضر المموج تعطي برودة لمن يجلس عليها ولذلك فان الزوار عادة ياتون بدون سجاجيد للصلاة ويكتفون بالحصا اللازمة لحظة السجود .
تعلو ضريح الامام قبة عملاقة مطلية باللون الذهبي ويقال انه ماء الذهب وقد شيد علي مساحة واسعة جدا من الارض وفقا للطراز المعماري الاسلامي المعروف وقد اقيمت ثمانية ماذن تطاول عنان السماء فوق مايطلق عليه بالحرم المطهر للامام الخميني الذي هو عبارة عن مساجد ومواقف للسيارات واماكن لاستراحة الزوار .