طهران – د . جمال المجايدة : اربعون دقيقة فقط هي مسافة الرحلة الجوية من دبي الي شيراز جنوب ايران , فما ان تعبر الطائرة التابعة لشركة ( آسمان ) الايرانية – – مياه الخليج العربي , الا وتحط بعجلاتها فوق مدرج مطار عاصمة اقليم فارس الجبلي . بعد الوصول الي مطار شيراز الصغير , تقفز الي الذهن العديد من الاسئلة الحائرة, ماذا بعد الوصول , هانحن في شيراز ؟
جولة في شيراز :
البداية كانت من شيراز الجنوبية وهي مدينة قديمة قدم الامبراطورية الايرانية ولا يمكن لاحد ان يتعرف علي تاريخها الا بعد ان يزورها , هذا هو الانطباع الذي خرجنا به بعد جولة مكثفة في المدينة العتيقة التي تقع علي بقعة خضراء من الجبل المسمي ب( الله اكبر) وبارتفاع 1540 مترا فوق سطح البحر .
شيراز كانت في ذلك الوقت تشكو الاهمال فمرافقها الخدماتية لم تعرف أي نوع من التطور منذ فترة طويلة ويلاحظ الزائر منذ لحظة وصوله الي المطار المتهالك ان يد التطوير والتحديث مازالت بعيدة عن شيراز لاماء للشرب ولادورات مياه صالحة للاستخدام الادمي ولاموظف علاقات عامة يرشدك الي أي طريق تسلك , بل تسيير امورك بالاشارات لدرجة ان بطاقة الدخول الي ايران مطبوعة بالغة الفارسية ولايمكن للزائر معرفة كيفية املاء البيانات المطلوبة .
مدينة تاريخية
ولكن ذلك لايمنع الزوار من الشرق والغرب من الذهاب الي شيراز التي تقول المراجع التاريخية ان تاريخها القديم يعود الي عصور ماقبل الميلاد و جاء ذكر شيراز في الواح من الطين في خزينة قصر الملك جمشيد .
يقال ان المدينة ازدهرت بعد الاسلام ووصلت الي الذروة في العهدين الصفوي والزندي واختارها كريم خان زند احد حكام الدولة الزندية عاصمة لايران ولاتزال ابنيتها الاثرية شاهدا علي قدم المدينة ويبدو ان الحكومة الايرانية تنكص عن تطوير المدينة للحفاظ علي طابعها التاريخي .
ويقال ان شيراز عرفت قديما باسم ( دار العلم ) نظرا لانها انجبت شعراء عظام امثال حافظ وسعدي في القرن الثاني عشر الميلادي .
وتتضمن الجولات السياحية الي شيراز فقرات لزيارة ( السعدية ) أي ضريح الشاعر الايراني المشهور سعدي ( 600 الي 691 هجرية ) والضريح مقام علي سفح جبل عند مدخل المدينة وبنيت فوقه في عهد كريم خان زند قبة رائعة الجمال تطل علي اشجار وينابيع مياه تتدفق من اعلي الجبل .
كما تضمنت رحلتنا زيارة الي ( الحافظية ) أي ضريح الشاعر خواجة شمس الدين الشيرازي المعروف باسم حافظ لانه كان حافظا للقران الكريم وهو من ابرز شعراء ايران في القرن الثاني عشر الميلادي ولاتزال قصائدة الشعرية تتدوال حتي يومنا هذا في المجتمع الايراني والاوساط الادبية علي وجه الخصوص .
مابين السعدية والحافظية توجد ( دروازة قران ) أي بوابة القران التي يرجع تاريخها الي الفتح الاسلامي وهي عبارة عن مدخل لمدينة شيراز تقع علي بداية الطريق الي اصفهان ويقال انه في عهد الامير كريم خان زند اجريت فيها عمليات الترميم واقيمت فوقها غرفة صغيرة وضع فيها القران الكريم تبركا من صون المارة من المكاره والحوادث .
كعبة الزرادشتتيين
ومن اللافت للنظر ان كعبة الزرادشتتيين لاتزال موجودة حتي الان وتعرف باسم ( نقش رستم ) وويرجع تاريخها الي 521 قبل الميلاد وتوجد بجوراها الواح ونقوش من العهدين الاخميني والساساني ومقابر ملوك السلالة الاخمينية وترجع تلك الكعبة الي اقدم ديانة في التاريخ وهي الزرادشتية التي اتبعها الايرانيين منذ اكثر من سبعة الاف سنة ولاتزال طائفة تمارس طقوس تلك الديانة حتي الان مثل باقي الديانات الاخري الموجودة في ايران كالبوذية والبهائية والمسيحية واليهودية . وفي شيراز تستهوي السائح تلك المساجد التاريخية الرائعة مثل مسجد عتيق المشيد عام 281 هجرية ومسجد وكيل الذي شيد عام 1187 هجرية في عهد كريم خان زند قرب سوق وكيل القديم وتستوقفنا قلعة كريم خان الاثرية التي كانت المقر الرسمي للدولة الزندية وهي عبارة عن اربعة ابراج دائرية تربطها اسوار رفيع بالاضافة الي القصر القائم وسط القلعة ويرجع بناؤها الي القرن الثاني عشر الميلادي ولايبعد عنها قصر عفيف اباد الرائع الذي شيده ميرزا علي محمد خان قوام الملك عام 1284 هجرية . كما ان الاسواق التاريخية مثل ( خان سوق وكيل ) تستهوي الزائر الباحث عن القطع الاثرية او السجاد العتيق او المصنوعات اليدوية , وتنتشر حول السوق بيوت الشاي وهي الاماكن التاريخية التي كان يحتسي فيها الامراء الشاي ويتسامرون فيها مع اصدقائهم ولاتزال حتي اليوم مفتوحة للزوار لشرب الشاي وتدخين النارجيلة علي الطريقة الايرانية .
تلك الجلسات الشعبية تتنقل الزائر ايضا الي الاجواء الجديدة في ايران فقد يجلس بجوار فتاة مع صديقها الجامعي وهما يدخنان النارجيلة معا في جو حميمي وقد يتبادل اطراف الحوار مع طالبات او طلبة من مختلف الاعمار لاهم لاهم سوي التعرف الي الاجانب ومحاولة التحدث بالانجليزية التي تكاد تكون معدومة في ايران .
ايران دولة ملكية :
في اليوم الثاني بعد وصولنا الي شيراز اقترح المرشد السياحي رضا حقيقت جول , ان نتوجه الي (بارسه بوليس ) أي ( قصر جمشيد ) وقال انه من الافضل ان تتم في الصباح الباكر قبيل ارتفاع حرارة الشمس في تلك المنطقة الصحراوية الجبلية القاسية . بالفعل وصلنا الي هناك في الوقت الذي اراده رضا , الشمس كانت حارة جدا فالجو صيفي ترتفع فيه الحرارة الي الاربعين درجة احيانا , وبائع تذاكر الدخول الي القصر كان منهمكا في شرب الشاي اكثر من اهتمامه بعمله , والايرانيين صغارا وكبارا مدمنين شرب الشاي في كافة المدن والقري ولايميلون كثيرا الي تناول المرطبات الغازية التي يعتبرونها بدعة غربية ويعتبرون ان قدحا من الشاي يساوي كل الايس كريم الامريكي .
قصر جمشيد
الزيارة الي ( قصر جمشيد ) الاثري علي بعد 50 كلم شمال مدينة شيراز ضرورية بل ان العديد من السياح الاوروبيين الذي التقيناهم في الموقع او في الفندق اكدوا انهم قدموا خصيصا لزيارة ذلك القصر التاريخي الذي يعتبر من اهم المعالم التاريخية في ايران وهو عبارة عن اعمدة من الرخام وايوان وتماثيل عملاقة لاسود وملوك وخدم تمثل بقايا مقر حكم الامبراطورية الاخمينية والذي بناه الملك الاخميني الاول ( داريوش ) عام 468 قبل الميلاد واستغرقت عملية بناء القصر المعروف باسم ( تخت جمشيد ) 120 عاما وتم تطوير القصر المقام علي مساحة 120 الف فدان في عهد اسلاف داريوش من الملوك الاخمينيين حيث كان اخرهم الملك اردشير الثالث ( 338-359 ق .م ) وكان موقع القصور مركز العاصمة الصيفية للاخمينيين ويضم قصر ابادانا والبوابات الثلاث قصري وتجرا وخشايارشاه وتظهر علي جدران القصور كتابات مسمارية منحوته علي الحجر تروي تاريخ بناء القصور وبعضا من معتقدات ملوك فارس الفكرية والروحانية .
ويقول المرشد السياحي الذي تولي مهمة الشرح ان القصر التاريخي العملاق احرق علي يد الاسكندر المقدوني الاكبر عام 338 ق .م عقب انتصاره الساحق علي الملك ارد شير الثالث .
ومازال القصر الذي يعرف باسم ( بارسه بوليس ) يحتفظ ببقايا بعض الاعمدة والتماثيل والسلالم المصنوعة من الصخور والرخام ومتحف يضم قطعا اثرية نادرة عثر عليها في مراحل تاريخية متفاوته في الموقع ذاته .
ويقول المرشد السياحي رضا ان القصر تعرض في عهد الفتح الاسلامي الي تشويه الاثار اذ تم تحطيم وجوه تمثال الملك داريوش واسديه العملاقين الواقفين علي صدر بوابة الاستقبال .
وعلي مقربة من القصر العملاق توجد مقبرة (كوروش) وتضم رفات الملك كوروش وزوجته الذي حكم بلاد فارس في الفترة من 330-559 ق.م وتسمي المنطقة التي شيدت فيها المقبرة باسم ( باسكارد) .
وعلي بعد اربعة كليومترات اخري توجد في بطن الجبل مقبرة ملكية اخري تضم قبور اربعة ملوك هم خشايار شاه وداريوش الكبير وارد شير الاول وداريوش الثاني وتظهر اسفل الجبل نقوض حجرية هي عبارة عن صورة للملك شاه بور الاول وهناك منحوته اخري في الجبل تمثل صورة للملك بهرام الثاني وهو يخوض معركة مع اعدائه والمنحوتة الثالثة عبارة عن مشهد لحفل انتصار شابور الاول ( 242 – 271 ق.م ) علي ملك الروم فالرين .
تلك الاثار لاتزال تذكر الايرانيين وكل من يزور ايران بالماضي العريق للحكم الملكي الذي استمر في ايران طوال 2500 عام متصلة ولم يسقط الا في العام 1979 عندما اندلعت الثورة الاسلامية من جامعة طهران ولم تتوقف الا برحيل الشاه السابق محمد رضا بهلوي اخر ملوك السلسلة الاخمينية التي بدات منذ عهد داريوش عام 518 قبل الميلاد .
ويتبادر الي الذهن احيانا بعض التساؤلات حول مصير الملكية ومستقبلها هل انتهت الي غير رجعة ؟ ام ان هناك احتمالات لعودتها مرة اخري بعد عقد او عقدين من الزمن ؟ بعض الايرانيون يتحدثون بحنين جارف الي زائريهم من الاجانب عن حبهم للملكية وتعلقهم بها والبعض الاخر من الاصلاحيين يعتبر ايران دولة ملكية برداء اسلامي فالاثار كلها والقصور والمتاحف تروي قصصا ترجع الي الاف السنين من علاقة الايرانيين بالملكية لذلك فان النظام الجمهوري الاسلامي في ايران مازال يبدو في الافق كضيف غريب ينتظر الترحيب به و التعايش معه .