فاس – د.جمال المجايدة :من لم يزر فاس لم يزر المغرب , تلك هي القاعدة التي خلصت اليها لدي زيارتي الاخيرة الي المملكة المغربية في يوليو الماضي .
في احدي الصباحات الجميلة , استيقظت باكرا , وذهبت الي مقهي الزهور لتناول قهوة الصباح في انتظار الخبير السياحي ادريس عوينى , لكي نبدأ رحلتنا الي فاس , وادريس اصلا من ابناء فاس غادرها بعد تخرجه من الجامعة وعمله مابين مراكش والدار البيضاء .
انطلقت بنا السيارة من شيراتون الدار البيضاء الي فاس التي وصلناها ظهرا , وبدت لي للوهلة الاولي بانها مدينة عتيقة نائمة في احضان الجبل منذ مئات السنين لتصحو يوميا علي التاريخ والعلوم والحضارات وكل الثقافات الانسانية .
طبعا الطريق السريع من العاصمة الاقتصادية للمغرب الي فاس يشهد اجواء استوائية حارة واخري معتدله واخري باردة ويشاهد المسافر علي مدي ثلاث ساعات تقريبا مناطق زراعية علي غرار سويسرا ومناطق قاحلة علي غرار افريقيا , هذا التنوع الجغرافي العجيب يجعل القول الشائع (انت في المغرب لاتستغرب ) قولا حقيقيا وليس مثلا للتندر !
فاس تشغل الطرق السهلة التي تصل بين ساحل المغرب المطل على المحيط الأطلنطي ووسطه، ويوجد جنوب فاس واحد من أقصر الطرق ويمر بوسط جبال أطلس إلى الجنوب عبر طريق سفرو.
أول عاصمة للمغرب !
و فاس من أهم المدن التاريخية العريقة و أول عاصمة سياسية للمملكة المغربية أسسها المولى ادريس الأزهر سنة 172 هـ. ظلت منذ تأسيسها ، منبرا للعلم والابتكار و الابداع في الميادين السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و العلمية، فكانت نموذجا للمدينة العربية الاسلامية، تضم في أحضانها ما يناهز 700 مسجدا و حوالي 403 من القصور و الدور الأثرية الجميلة
و قد تعاقبت على حكمها و اعمارها دول متعددة حكمت المغرب منذ الأدارسة الى العلويين الذين اتخذوها عاصمة سياسية و علمية ووسعوا معمارها و نهجوا سياسة انقاد مآثرها و صيانة مبانيها التاريخية العريقة
و قد صنفت مدينة فاس كثراث انساني عالمي منذ سنة 1981 حيث أصبحت مقصدا و فضاء لعقد عدد من التظاهرات الدولية و الوطنية في هذا المجال، و نذكر منها المؤتمر الدولي لمدن الثراث العالمي سنة 1993، و المؤتمر العربي للمدن التاريخية العربية الاسلامية .
المدينة كانت هادئة تماما حين وصلناها وذهبنا لاستراحة قصيرة في فندق ( زلاغ بارك بالاس ) الذي تحيط به الحدائق الخضراء والمياه والمسابح التي تظهر كضرورة قصوي في فصل الصيف , وكان مالك الفندق عزيز اللبار و المدير العام الحاج التازي في استقبالنا – ادريس و اسماعيل وانا, عناء تعب الرحلة غسلناه في زلاغ بارك بالاس وتناول الاتاي المغربي الاخضر مع نسمات الهواء العليل تبعث في الروح راحة وفي القلب خلجة وفي العقل ذكريات لاتنسي وعلي المروج الخضراء المحيطة بالفندق التاريخي والمسابح التي تحيط به طار التعب والنعاس!
بعد تلك الاستراحة اقترحت علي ادريس واسماعيل التجوال في مدينة فاس القديمة والتي تقول المراجع التاريخية انها كانت أحد ركائز الصراع بين الأمويين في الأندلس والفاطميين في إفريقيا، وظلت المدينة تحت سيطرة الأمويين في الأندلس لمدة تزيد على الثلاثين عاما، وتمتعت المدينة خلال تلك المدة بالازدهار. وعندما غابت شمس الخلافة الأموية بقرطبة وقعت مدينة فاس تحت سيطرة أمراء زناته الذين كانوا على خلاف مستمر فيما بينهم. وظلت هكذا إلى قدوم المرابطين، ومن بعدهم الموحدين، وكذلك بنو مرين الذين اتخذوها مركزا لهم بدلا من مراكش ، و أنشئوا مدينة ملكية وإدارية جديدة عرفت بالمدينة البيضاء. وأصبحت فاس مرة أخرى مركزا حضاريا حيث تميزت بالازدهار السياسي والاقتصادي والفكري بين سائر بلاد المغرب
اثناء الجولة اختلف كل من ادريس ابن فاس واسماعيل ابن تركيا علي مؤسس فاس ومن هو , غير انني حسمت الامر بالعودة الي مدير متحف المدينة القديمة والذي قال : يرجع تاريخ تأسيس مدينة فاس إلى نهاية القرن الثامن الميلادي إبان مجيء المولى إدريس الأول إلى المغرب سنة 789م، حيث بنيت النواة الأولى للمدينة على الضفة اليمنى لوادي فاس بحي الأندلسيين. وفي سنة 808م أسس إدريس الثاني مدينة جديدة على الضفة اليسرى لوادي فاس بحي القيروانيين نسبة إلى أصل ساكنته المنحدرة من القيروان بإفريقية.
وكانت عودة الأندلسيين محاطة بالأسوار، تخترقها ستة أبواب ولها مسجد جامع. وفي المدينة القديمة المقابلة قام إدريس الثاني كذلك ببناء سور ومسجد بالإضافة إلى قصر وسوق .
عرفت فاس في هذا العهد انتعاشا اقتصاديا وعمرانيا منقطع النظير لتواجدها في منطقة سهل سايس الخصبة, ولتوفرها على موارد متعددة ومتنوعة ضرورية للبناء كمادتي الخشب والأحجار المتوفرة بغابات ومقالع الأطلس المتوسط القريب، بالإضافة إلى وفرة الملح والطين المستعمل في صناعة الخزف.
ملتقى للطرق التجارية
تحظى فاس بموقع استراتيجي مهم باعتبارها ملتقى للطرق التجارية بين الشرق والغرب خاصة تلك التي كانت تربط سجلماسة بشمال المغرب. كما شكلت ساكنة المدينة خليطا من أمازيغ الأطلس المتوسط والقيروانيين والأندلسيين واليهود الذين ساهموا في تطورها العمراني والاقتصادي والثقافي.
بعد تلك الجوله اصر ادريس علي تناول الشاي مرة اخري فوق سفح الجبل المطل علي المدينة , مااروع تلك اللحظات قبيل الغرب والشمس تنحدر رويدا رويدا الي لجة حمراء قانية في صيف فاس الحار لتبدأ رحلتها نحو المغيب المؤقت الي صباح يوم يحمل احلاما اجمل لاطيب الناس واجملهم في تلك المدينة الوداعة الرحبة .
عشاء ام ادريس
تناولنا الغذاء والعشاء في وجبة واحدة في منزل عائلة ادريس عوينى القابع في حضن المدينة القديمة , وكانت والدته قد جهزت وجبة طعام مكونة من الطاجن المغربي مع اللحم والسفرجل واطباق اخري من البطاطس وخبر القمح الاسمر , لااحد يمكنه تخيل لذة تلك الاطباق الفاسية المغربية الصرفة ؟ ولاابالغ ان قلت بانه الذ طبق اكلته في تلك الرحلة بالمغرب , الاستراحة بعد الغذاء والعشاء كانت ضرورية لتناول الفاكهة والاتاي ( الشاي المغربي ) في بهو المنزل المزخرف الذي اشرف عليه والد ادريس بضع سنين لكي يبدو وكانه متحف حقيقي في ارض فاس , والده الذي كان في الحرس الملكي لمدة اربعة عقود يروي لنا حكايات طويلة عن فاس وتاريخها , ففي سنة 857 م قامت فاطمة الفهرية بتشييد جامع القرويين بالضفة اليسرى لوادي فاس الذي تم توسيعه فيما بعد من طرف يوسف بن تاشفين المرابطي (1061-1060م)، بعد استيلائه على المدينة سنة 1069م، كما عمل على توحيد الضفتين داخل سور واحد وساهم في إنعاش الحياة الاقتصادية ببناء الفنادق والحمامات والمطاحن.
وبعد حصار دام تسعة أشهر، استولى الموحدون على المدينة سنة 1143م. تحت حكم الدولة المرينية، عرفت مدينة فاس عصرها الذهبي إذ قام أبو يوسف يعقوب (1286-1258م) ببناء فاس الجديد في سنة 1276م حيث حصنها بسور وخصها بمسجد كبير وبأحياء سكنية وقصور وحدائق.
وخلال القرن السابع عشر عرفت فاس بناء حي خاص باليهود يعتبر أول ملاح بالمغرب.
وبعد فترة طويلة من التدهور والتراجع بسبب القلاقل التي عرفتها البلاد، احتل السعديون المدينة سنة 1554م. وبالرغم من انتقال عاصمة الحكم إلى مراكش خص السعديون مدينة فاس ببعض المنجزات الضخمة كتشييدهم لأروقة جامع القرويين وعدد من القصور وترميم أسوار المدينة وبناء برجين كبيرين في الجهتين الشمالية والجنوبية لمدينة فاس.
ونتيجة للاضطرابات التي عرفتها الدولة السعدية انقسمت فاس إلى مدينتين: فاس الجديد وفاس البالي. وفي سنة 1667م، تمكن العلويون من الاستيلاء عليها. وبصفة عامة عرفت هذه الحاضرة تحت حكم العلويين إنجاز عدة معالم نذكر منها على الخصوص فندق النجارين ومدرسة الشراطين وقصبة الشراردة الواقعة خارج فاس الجديد وقصر البطحاء !
أربعة آلاف نافورة :
جولة مسائية بالسيارة لها معني للتعرف الي معالم اخري في المدينة ذات الحصون والقلاع والاسوار العالية , وتعود الأسوار المحيطة بفاس البالي إلى فترة حكم الناصر الموحدي (1199-1213م). لكن الأبواب التي تخترقها تحمل أغلبها أسماء تعود إلى فترة حكم الأدارسة والزناتيين (باب الفتوح، باب الكنيسة، باب الحمرة، باب الجديد وبني هذا الحصن الذي يتواجد شمال فاس البالي سنة 1582م من طرف السعديين. ويستمد تصميمه من القلاع البرتغالية التي تعود إلى القرن 16م. وهو يحتضن حاليا متحف الأسلحة .
وتدلل علي ان المدينة كانت ضمن دولة الأمويين في الأندلس لمدة تزيد على الثلاثين عاماً، وتمتعت بالازدهار. ولما غابت شمس الخلافة الأموية عن قرطبة وقعتُ تحت سيطرة الأمراء الذين كانوا على خلاف مستمر فيما بينهم. وظللت إلى قدوم المرابطين، ومن بعدهم الموحدين، وأصبحتُ مرة أخرى مركزاً حضارياً وتميزتُ بالازدهار السياسي والاقتصادي والفكري بين سائر بلاد المغرب .
لموقع فاس أهمية خاصة بسبب غزارة ينابيعيها الكثيرة، التي تتجمع وتتحد لتغذي جميع أنهارها، وتمتد قنوات المياه لديّ مثل الشرايين لتصل إلى كل مسجد ومدرسة وبيت، ويتفجر منها عيون نهر سبو وروافده. وهذا جعلها تتميز بموقع إستراتيجي يصمد أمام أي حصار.
واضح ان أهم ما بقي من معالم فاس الأثرية الأسوار وبواباتها الثمانية بأقواسها الرائعة والتي ترجع إلى عهد المرينيين. وفي داخل الأسوار يوجد عشرة آلاف بناية أصلية، وسبعون كيلو متر من القنوات المتدفقة من مياه الوادي والعيون، وبها أربعة آلاف نافورة وسقاية. وتميزت بالقصور والمنازل القديمة المكونة من طابقين وحولها أفنية ضيقة وتكسى بحشوات من الفسيفساء الخزفية .
مدينة العلماء :
التلال العالية المحيطة بفاس ممتعة ليلا , ففي شوارعها الملتوية واستراحاتها تتحلق الفتية والفتيات والعائلات يتنزهون في الليل طلبا لنسمات الهواء الباردة في التلال , وتدور امسيات واغنيات وشجون وشؤون كثيرة في تلك الامسيات التي تستمر طيلة فصل الصيف تقريبا .
نتيجة لوقوعها في واد خصيب، فإن الغابات تكثر في فاس , وأشجار البلوط والأرز، وتحيط بها أراض كثيرة صالحة لكافة أنواع الزراعة، مثل الحبوب والكروم والزيتون وأشجار الفاكهة، وبسبب كثرة بساتين البرتقال والتين والرمان والزيتون فوق أرضها تبدو المدينة زمردية اللون تحيط بها الحدائق والبساتين، والجبال الخضراء المتوجة بشجر الأرز والصبير وزهر عود السند، هذا الموقع ايضا ساهم في وجود أعرق وأقدم المؤسسات العلمية في فاس وهو جامع وجامعة القرويين، الذي أسسته فاطمة بنت محمد الفهري عام 245هـ/859 م، وتعتبر جامعة القرويين أقدم جامعة ثقافية في العالم، تخرّج فيها معظم علماء الغرب، كما يوجد (785) مسجداً كانت جميعها مدارس تُدرّس فيها علوم الدين واللغة والتاريخ وغير ذلك من العلوم .
أما أقدم مدارسها فهي مدرسة “الصفارين” بناها أبو يوسف المريني عام 678هـ/1280م ، وقد نُقلت فيما بعد إلى جامعة مسجد القرويين.
ومن علماء فاس الأفذاذ: أبو عمرو عمران بن موسى الفاسي، فقيه أهل القيروان وأبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان الشهير بابن البناء أشهر رياضيي عصره وأبو بكر محمد بن يحيى بن الصائغ الشهير بابن باجة وكان ممن نبغوا في علوم كثيرة منها اللغة العربية والطب وابن خلدون المؤرخ ومؤسس علم الاجتماع ولسان الدين بن الخطيب وابن عربي الحكيم وابن مرزوق .
الموسيقى الروحية :
في كل مرة ازور فيها المغرب صيفا الحظ ظاهرة المهرجانات الموسيقية الشعبية ولا تكاد تخلو مدينة من مهرجان موسيقي خاص بها، تتعدد الأماكن ما بين فاس والرباط والصويرة ومراكش وأغادير ومكناس وورزازات والأطلس والريف… وتتنوع الموسيقى ما بين الأندلسية والجاز والكناوة والناي الأمازيغي وموسيقى الريف وفلكلور مراكش..
و تحتضن مدينة فاس العريقة صيفا أحد أهم مهرجانات الموسيقى الروحية في العالم، التي يشارك فيها أشهر المغنين وفرق الموسيقى الدينية والروحية من شتى بقاع العالم. وفي أشهر المواقع التاريخية والأثرية لفاس مثل “باب المكينة” و”متحف البطحاء” و”موقع وليلي” وفي الساحة الكبرى لباب بوجلود التاريخي الذي يصل إليه الزوار من مختلف أحياء المدينة العتيقة تقام الحفلات والعروض والسهرات الفنية والليالي الصوفية التي يحييها أشهر الفنانين المغاربة والعرب والأجانب في عالم الإنشاد الديني والغناء الروحي ربما علي امتداد ليالي فصل الصيف كلها .
هذه السنة سهرت الجماهير على أصوات وألحان أهم فرق الموسيقى والغناء الروحي في العالم؛ إذ شارك فيها فرقة دراويش “دوارون” القادمة من مدينة قونية التركية؛ حيث ضريح المتصوف الأكبر جلال الدين الرومي، وشرم نازيري بأناشيد صوفية من كردستان الإيرانية. والسنغالي يوسندور مطرب أفريقيا المسلمة، وحسن الأعظمي من العراق، وماهر علي وشهير علي من باكستان، والسوري صباح فخري صاحب أناشيد المحبة الإلهية، والفلسطينني منعم أدوان، ومريم ماكيبا بأناشيد وتقاليد روحية من جنوب أفريقيا، وصافو من فرنسا مع الأوركسترا الشرقية، وفرقة “سيرين” الروسية التي تخصصت في التراث الغنائي للأناشيد الروحية القديمة في روسيا. وفرقة جوسبيل التي أسسها جو ألان مدير مركز “أرس” في حي هارلم بالولايات المتحدة الذي يسعى إلى علاج مدمني مخدرات بواسطة الغناء والموسيقى الروحية.. وعشرات من أشهر الفنانين والموسيقيين.
ومهرجان فاس يعمل على عرض وإثراء الثقافة الموسيقية العالمية العريقة، إضافة إلى كونه يهدف إلى تدوين هذا الموروث الشفوي الإنساني.
وليس غريبًا على مدينة فاس، العاصمة العلمية والدينية للمملكة المغربية، أن تحمل على عاتقها مسؤولية التذكير والحفاظ على التراث الموسيقى الإنساني العريق، فهي المدينة المغربية التراثية بامتياز، حيث لا زالت تحافظ على طابعها التقليدي الصامد المتمثل في قصورها وأسوارها وأسواقها وحواريها وبيوتها العتيقة !
التراث الصوفي :
قال لنا احد الاصدقاء الاعلاميين في فاس ان فوزي الصقلي نظم اول مهرجان للموسيقى الروحية في فاس عام 1994 وكله امل في خلق مجال تلتقي فيه مختلف الثقافات للتعلم من بعضها دون خوف او تعصب او افكار مسبقة وبعد 12 سنة اصبح مهرجان فوزي الصقلي اكبر واكثر تأثيرا.
وبالاضافة الى الموسيقى الروحية من انحاء العالم، اصبح المهرجان الآن يتضمن ندوة تتطرق لمواضيع الساعة.
ويقول الصقلي انه من الصعب التحدث عن الحب والسلام في وسائل الاعلام بينما بامكان هجمة مدينة صوفية وتركيز فاس على التسامح والحوار ليس جديدا عليها، حيث مرت بعصور وازمان مختلفة منذ تأسيسها في نهاية القرن الثامن، وفي منتصف القرن التاسع، كانت تفخر بالقرويين، ربما اهم جامعة في العالم آنذاك.
وكبرت شهرة فاس مع العالم ابن عربي، ذي الوزن الكبير في التراث الصوفي الاسلامي، وتحولت الى معقل لمختلف الطرق الصوفية التي عبرت عن ايمانها بالانشاد والرقص.وهذا هو الاسلام الذي دفع فوزي الصقلي لفعل ما يفعله.
واليوم، تعد المدينة القديمة بفاس من اقدم الاماكن المأهولة بالسكان في العالم، وهي مصنفة ضمن لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو، وبينما يتم اصلاح بعضها يتلاشى البعض الآخر شيئا فشيئا.
ويحظى المهرجان الآن برعاية الملك، ويفخر بمشاركين يبدعون في كل انواع الموسيقى، من الباروك الاوروبي وغناء التيبت الى اناشيد افريقيا.
وتنظم العروض في عدد من الاماكن المتفرقة في الشمال الغربي من المدينة، حيث يحضر كبرى التظاهرات التي تقام بساحة قبالة باب الماكينة، وهو من مداخل المدينة القديمة، حوالي 5000 شخص.
كما تنظم عروض مجانية نهارا في الحدائق العمومية بينما تنشد فرق للموسيقى الصوفية ليلا امام حشود من السكان المحليين والسياح .
لقد فكر فوزي الصقلي في انشاء مؤسسة دائمة للابقاء على روح فاس طوال السنة , ويقول ان كان هذا ينجح في فاس عشرة ايام، لم لا يمكن انجاحه طوال السنة، ولم لا ينجح في القدس مثلا؟
من أعلى تلالها التي ترقد في جنباتها أضرحة المقبرة المرينية الكبرى يمتد بحر متلألئ من السقوف النحاسية المدعومة بجدران مرشوشة بالضوء، تخفي خلف تكتمها ميراثا لا ينكشف للمسافرين إلا بمرور الوقت.
وبما أن المهندسين تعاقبوا على بنائها، كما أن بعض الصناع كرسوا حياتهم لتزيينها، مثلما نظم الشعراء حولها قصائد جميلة، ولأنها حافظت على أصالتها، رغم ما تعرضت له من غزو، فقد استطاعت على الدوام أن تتحدى الزمن وأن تبعث من تحت الرماد تلك النار المقدسة التي تجعل منها مقاما روحيا ساميا. تلك هي فاس ! التي ظلت طوال قرون عديدة عاصمة سياسية وعلمية للمغرب، قد أصبحت مركزا للقاء والتبادل الثقافي.