لشبونة – د.جمال المجايدة : زرت لشبونة عاصمة البرتغال الواقعة في الزاوية الجنوبية الغربية لقارة أوروبا، وامضيت فيها اسبوعاً كاملاً , متجولا بين اروقتها التاريخية ومعالمها السياحية الجميلة .
لشبونة هي عاصمة عصرية غنية بالمكونات الثقافية والفعاليات التي تقام على مدار العام بشكل دوري. وليست لشبونة أكبر مدن البرتغال فحسب، بل هي واحدة من أهم مدن الموانئ الأوروبية. وتجتذب المدينة السياح من مختلف أنحاء العالم بفضل عراقتها تاريخها الذي يمتد لآلاف السنين،
لشبونة، مدينة تفيض بالحيوية والحركة وتستفيد من قرب المواقع الساحلية الرائعة وسهولة الوصول منها إلى المناطق المحيطة بها، مما يجعلها بحق وجهة سياحية مثالية , وتعتبر موطن الصروح الحضارية التي لا تزال شامخة تحكي قصص الرومان والبربر وتشهد بعظمة الإمبراطورية البرتغالية القديمة. على شواطئ المحيط الاطلسي .
وتمتلك لشبونة الكثير من الكنوز المكنونة التي يمكن استكشافها في الأزقة الوادعة التي تقع ضمن المنطقة التاريخية والتي يعود تاريخها إلى العصور الوسطى أو على امتداد أفينيدا دا ليبيريداد “جادة الحرية” فائقة الحداثة.
وقد تم حفظ الكنوز الفنية في عدد من المتاحف ومعارض الفنون الكبيرة والساحرة في لشبونة، بما فيها مجموعة كالوست جولبينكان التي تفخر باحتوائها على أعمال رامبرانت ورينوار وعدد آخر من أشهر الرسامين.
الحياة الليلية
تشتهر لشبونة بأجوائها البهيجة وحياتها الليلية الصاخبة، حيث تنتشر في شوارعها نهاراً مجموعة غنية من المطاعم المجاورة لأسواقها، وتنتشر المقاهي والمطاعم في المباني القديمة الممتدة على ضفاف نهر تاجوس. أما ليل المدينة فتسيطر عليه أنغام الموسيقى الرائعة المتسللة من حاناتها.
وتقدم مدينة لشبونة لزوارها طيفاً واسعاً من خيارات الإقامة، فمن فنادق النجوم الخمس الراقية التي تتركز في وسط المدينة، إلى نزل البوسادس الجميلة المزينة عند محيط المدينة. ويمكن للزوار من الشرق الأوسط استكشاف مجموعة من المواقع الرائعة في لشبونة، مثل حي “باريو ألتو” الذي يعد من أجمل أحياء المدينة. أما الزوار الراغبين بالتسوق، فيمكنهم زيارة منطقة التسوق التقليدية المسماة “بايشا” أو “روا جاريت” في كيادو للتمتع بتجربة التسوق الراقية في منطقة تضم عدداً من محال الأزياء العصرية ومتاجر التجزئة.
أما العمارة مستقبلية الطابع في شرق لشبونة فهي تشكل تضاداً رائعاً مع الأحياء القديمة للمدينة، وتضم مجموعة من أهم مواقع الجذب السياحي في المدينة، بما يشمل مركز التسوق عالمي المستوى، والحدائق المائية الهادئة، وعدد كبير من المقاهي والمطاعم والأكواريوم الذي يعتبر أحد أكبر الأحواض المائية الاصطناعية في العالم.
وتمتاز مناطق البرتغال خارج العاصمة بسواحلها الخلابة التي تضم عدد كبيراً من الشواطئ الساحرة والمنتجات الراقية. ويتمتع منتجع “إيستوريل” الساحلي المجاور للشبونة بفخامته وهو يتمتع بشهرة كبيرة نظراً لاتصاله بوسائل النقل العامة بصورة جيدة، ومناخه الدافئ الذين جعلا من المنطقة أحد أبرز وجهات محبي الغولف في البرتغال.
وتعتبر بلدة سينترا القريبة من لشبونة أيضاً من الوجهات السياحية المميزة، حيث تحيط بها غابات الصنوبر والسراخس، الأمر الذي يجعل منها مكاناً مثالياً لاستكشاف الطبيعة سيراً على الأقدام. وإن توغلنا أكثر باتجاه الشمال، نجد على سفح إحدى التلال بلدة أوبيدوس ببيوتها البيضاء المحاطة بأسوار قصر يعود للقرن الرابع عشر، وهي تقدم إطلالة مميزة على القصر الذي يعتبر أبرز معالم البلدة.
تاريخ حضاري :
مدينة لشبونة التي تزخر بتاريخ حضاري غني بالمواقع الأثرية والمعالم المعمارية. وتقع لشبونة على سبعة تلال، توجد في إحداها صومعة بيليم التي شيدت عام 1515 لحماية ميناء لشبونة.
وبيليم، التي تعني باللغة العربية بيت لحم، هي النقطة التي انطلق منها فاسكو دي غاما في رحلته التي استمرت سنتين واكتشف فيها رأس الرجاء الصالح وبالتالي الطريق إلى الهند. وغير بعيد عن المدينة تمتد الشواطئ الرملية إضافة الى المناطق التي تغطيها الغابات في سينترا وغيرها من أماكن الجذب السياحي.
موسيقى الفادو
تعد موسيقى الفادو إحدى المكونات الأكثر أهمية ووضوحا في الثقافة البرتغالية. وما تزال لشبونة تنغمس في هذا الطراز الفني الموسيقي العريق الذي يقال أنه نشأ في أوائل القرن التاسع عشر في شوارع هذه المدينة. ويعود أصل هذه الموسيقى إلى شيء يسميه السكان المحليون “سوداد”، وهي كلمة ليس هناك من ترجمة حرفية لها، غير أنها تشير إلى الحنين إلى الماضي والحزن وإثارة الشجون والشوق الموجود في ألحان ومحتوى هذا النوع من الموسيقى. وتنتشر نوادي موسيقى الفادو في أغلب مناطق لشبونة، كما يمكن للمرء أيضا مشاهدة عازفي هذا النوع من الموسيقى وهم يؤدون معزوفاتهم على الطرقات. وتضم منطقة ألفاما متحف موسيقى الفادو، وهو جدير بالزيارة بالنسبة لأولئك الذين يرغبون بمعرفة افلمزيد عن التراث الموسيقي للمدينة.
المأكولات والأنشطة الترفيهية
تشكل المأكولات البحرية جزءً رئيسياً من الأطباق التي تقدم في لشبونة، وذلك لكونها مدينة ساحلية. ويتم تقديم الأسماك والمحار في الكثير من الأطباق بما فيها طبق “الباكالياو” الوطني الذي يتكون من سمك القد المجفف والمملّح. كما تعد أسماك السردين والمكاريل الحصاني المكونات الرئيسية في طبق يخنة الكالديرا، بينما يكمل الأرز مزيجا من لحم السلطعون والكركند والمحار والروبيان ليكوّن الطبق المسمى أروز دي ماريسكو. وهناك أيضاً طبق وطني آخر يدعى كوزيدا آ بورتجيزا الذي يتكون من اللحوم عوضاً عن المأكولات البحرية ويتكون من تشكيلة متنوعة من اللحوم. غير أننا نوصيك ببدء رحلتك الإستكشافية في مجال المأكولات البرتغالية في المطاعم المعروفة مثل ليسبوا آ نويت أو سيريفيجاريا ترينيداد.
ويمكنك بعد الانتهاء من تناول إحدى الوجبات المشبعة الانطلاق في رحلة إلى الشواطىء في بلدتي كاسكايس وإيستوريل الصغيرتين واللتين تضمان عددا من المنتجعات وتشتهران بطقسهما المعتدل وبكونهما مثاليتين لركوب الأمواج.
ما وراء لشبونة
يحيط بلشبونة عدد كبير من القرى والمناطق الجميلة التي تشمل بلدة سينترا ذات الجمال الآسر والتي تبعد مسيرة ساعة بالسيارة عن لشبونة. وتشتهر هذه البلدة الواقعة فوق التلال بمناظرها الطبيعية الخلابة إذ أنها تضم عدداً من القصور والقلاع الجميلة ومن أشهرها قلعة بينا. وقد تم تشييد هذه القلعة التي تحيط بها حدائق جميلة في منتصف القرن التاسع عشر، وقد أدى جمال العصور الوسطى لبلدة أوبيدوس إلى تحويلها إلى معلم سياحي وطني. كما يساهم تاريخها الشاعري في جعلها تتميز بمزيد من الجاذبية حيث كانت هدية الزواج التي منحها أحد الملوك لزوجته الملكة في أواخر القرن الثالث عشر. وقد حافظت البلدة على سحرها القديم، كما أنها تستضيف أحد المعارض السنوية لفنون العصور الوسطى خلال فصل الصيف.
وتشمل الوجهات الساحرة الأخرى سيتوبال التي تشتهر بتوفيرها لفرص مشاهدة الدلافين، وإيريسيرا التي تشكل أحد الملاذات العديدة لهواة ركوب الأمواج، وكذلك الكثير من القصور والبلدات التاريخية ومواقع التراث العالمي التي توفر إطلالات ساحرة على التاريخ والحياة في البرتغال.