صلاح سليمان
Salah.soliman@gmx.de
بوزنان مدينة بولندية جميلة زرتها أثناء أزمة الكورونا ، في موسم الشتاء ، ومع تدني درجة الحرارة ، وبعيداً عن الموسم السياحي الذي يبدأ عادة من شهر مايو إلى شهر سبتمبر ، إلا أنني وقعت في غرام المدينة ، فهي مفعمة بالحيوية ، والناس لطفاء ، ومتاجرها عامرة ، ومطاعمها تشتهر بالأطباق البولندية الشهيرة.
بوزنان هي خامس أكبر مدينة في بولندا ، ولها تاريخ حافل تحكيه متاحف وأذقة المدينة ، والسوق القديم فيها متعة للتعرف على منتجات البولنديين ، أما البحيرات والغابات والحدائق فهي متعة للناظرين.
موقع مميز
ترتبط بوزنان بباقي المدن البولندية بخطوط سكك حديد راقية ، وقد جربتها بنفسي عندما سافرت من بوزنان إلى وارسو ، القطارات رائعة ومواعيدها منتظمة وأسعار التذاكر فيها رخيصة نسبياً مقارنة بألمانيا المجاورة. المدينة بها مطار صغير تحط فيه الطائرات من مختلف الدول الأوروبية ، وبما أن بوزنان منفتحة على السياحة العربية أيضاً فإن طيران فلاي دبي دشّن خطاً جديداً إلى بوزنان منذ أكتوبر 2023 بواقع 3 رحلات أسبوعياً ، مما سيساهم في حركة السياحة العربية بلا شك إلى المدينة.
موقع مدينة بوزنان في منتصف المسافة بين برلين وموسكو يجعلها موقعا تجاريًا هامًا ، فبعد توحيد بولندا عام 1320 ، أصبحت بوزنان مدينة هامة لبولندا وأوروبا. ساعدها على ذلك موقعها المهم في وسط أوروبا على مفترق طرق التجارة الأوروبية.
اشتهرت المدينة بتجارة الفراء ، ومن جهة التصنيف الاقتصادي تتبوأ اليوم بوزنان المراتب الأولى من بين مدن وسط وشرق أوروبا من حيث توافر الفرص الاستثمارية الممكنة. كما أن الاستثمارات الأجنبية المنجذبة إلى بوزنان منذ عام 1990 في تزايد مستمر حتى اليوم.
يلعب أيضًا معرض بوزنان الدولي سنويا دورًا فعالًا في دعم اقتصاد المدينة عن طريق تنظيم المعارض والمؤتمرات وورش العمل. وهناك فروع للشركات العالمية الكبرى وتعتبر أكبر مصدر لحافلات الركاب في أوروبا ، وفيها مصانع مشهورة للأدوية والمواد الكيميائية ، وتشتهر أيضًا بصناعة المواد الغذائية والحلويات.
البطالة في المدينة منخفضة ولا تصل لحدود 2% ، في حين أن معدل البطالة في بولندا يصل إلى مستوى 10 في المائة. ورغم أن عدد سكانها لا يتعدى النصف مليون نسمة ، إلا أن بها ثالث أكبر الجامعات في بولندا. ويقولون إن بها 8 أكاديميات كبيرة للفن والطب والموسيقى والزراعة وغيرها من أصل 18 جامعة. أيضا يشعر أهالي بوزنان بالفخر وهم يتحدثون عن المجتمع الطلابي بها ، فعدد الطلاب بتجاوز ال 130 ألف طالب من كل أنحاء العالم يدرسون في مختلف الفروع وأشهر جامعتها” آدم ميكيوويسز” التي تقع في وسط المدينة بالقرب من القلعة الإمبراطورية.
أهم المعالم السياحية
ساحة المدينة القديمة هي ملتقى السياح وأهل المدينة ، وهي تحتفظ بتاريخ يمتد إلى القرن 13 بالتحديد في عام 1253 حيث أمر الدوق بزيميسل الأول ببنائها ، وهي تعد أحد أجمل الساحات في أوروبا بأكملها ، فهي وجهة رائعة نابضة بالحياة تجمع ما بين مزيج من المباني التاريخية والأماكن العصرية محاطة من كل جانب بالمطاعم والمقاهي وفيها كل أنواع الخدمات التي يحتاجها السائح.
من أهم معالم المدينة السياحية هو مبنى البلدية ، فعند الساعة 12 تماماً يتجمع السياح من كل صوب وحدب كل يوم لمشاهدة تمثالين لكبشيين يخرجان من غرفة تعلو هذه الساعة وينطح كل منهما الآخر اثنتي عشرة مرة مع مصاحبة عزف على البوق يقوم به أحد الحراس ، والمبنى تأسس في القرن الرابع عشر كمبنى رسمي حكومي وأول سجل تاريخي ظهرعن هذا المبنى يرجع إلى عام 1310 ، وهو مصمم على شكل 3 طوابق تعلوها ثلاثة أبراج مضلعة تعلوها قباب. أوسط الأبراج الثلاثة يحتوي على ساعة لها قصة يعرفها كل أهل المدينة وكل من يزور هذه الساحة القديمة.
هذا التقليد القديم يرجع إلى حادثة وقعت عام 1551 ، عندما دعي رئيس البلدية لافتتاح تشغيل ساعة البرج. حينها اكتشف طباخ الحفل أن الطعام الذي أعده لحفلة الافتتاح فسد. فحاول سرقة كبشين ليذبحهما ويطبخهما ليرفع الحرج عنه ، لكن الكبشين هربا إلى داخل المبنى وصعدتا إلى الغرفة في البرج الأوسط ، والتي تعلو الساعة ، وظلتا تنطحان كل من يحاول الامساك بهما حتى شاهدهما رئيس البلدية فأصدر مرسوماً رسمياً يتم من خلاله تخليد هذه الحادثة.
وما يلفت الانتباه بشدة في هذه المدينة طابعها الفني البارز وانتشار المتاحف بشكل ملحوظ. ومن بينها ستة متاحف تقع في البلدة القديمة فقط ، أشهرها متحف بوزنان الوطني الذي يضم مقتنيات أثرية سلافية وبولندية لمقاطعة بولندا الكبرى ، ومتحف الفنون الجميلة ومتحف الإثنوغرافيا أيضا المتحف الأثري الذي يضم أكثر من 42 ألف قطعة أثرية تعود للقدماء المصريين ، ولبولندا في العصور السابقة لنشأتها.وكذلك المتحف العسكري لبولندا الكبرى ، الذي يضم مقتنيات عسكرية من الحرب العالمية الأولى ووثائق خاصة بكفاح الشعب البولندي لتحقيق الاستقلال في عام 1918. ومن المتاحف الموجودة في البلدة القديمة متحف تاريخ مدينة بوزنان في قاعة المدينة ومتحف الأدوات الموسيقية :
تقلبات سياسية
التأثيرات السياسية أيضاً حاضرة في تاريخ بوزنان فهي مثل أغلب دول أوروبا تأثرت بالحرب العالمية الثانية عندما قام النازيون بضم مدينة بوزنان إلى المانيا النازية ، وقاموا بطرد مائة ألف من مواطنيها خارجها ، واستبدلوهم بمستوطنين من جمهوريات البلطيق وتم بناء قصر مهيب لهتلر ليكون مقراً له عندما يزور المدينة ، لكنه لم يزورها على الإطلاق وتحول القصر الذي كان مقراً له إلى مبنى سياحي.
جدير بالذكر أن معالم المدينة التاريخية تهدمت بالكامل أثناء الحرب لكنها تمت إعادة بناؤها مرة أخرى بشكل يحاكي نفس الشكل الذي كانت عليه عندما انتهت الحرب بانتصار الحلفاء ودخول الجيش الأحمر الروسي المدينة في فبراير 1945 وتحريرها ، بعدها سادت الحقبة الشيوعية محل النازية ودخلت بوزنان عصراً آخر من الكفاح والتطلع للحرية.
يحرص الزوار علي زيارة المتحف الذي يضم أعمالاً وصوراً من انتفاضة 1956 والتقاط الصور. وفي وسط بوزنان تم تشييد نصب تذكاري بالقرب من البلدة القديمة ، لتخليد انتفاضة عام 1956 وتخليد ضحايا العصيان المدني ضد الحكم الشيوعي.
توالت الأعوام ثم تفكك الاتحاد السوفيتي وفي سنة 1989 انهار سور برلين وفي ديسمبر 1990 أصبح ليخ فاونسا رئيساً لبولندا وفي 2004 دخلت بولندا الاتحاد الأوروبي ودخلت حقبة جديدة تماماً وأصبحت تواكب عصور الحرية والابتكار والتطلع وجذب السياح ممن يرغبون في التعرف على كل هذا الثراء المعرفي الذي تتمتع به المدينة.