د.جمال المجايدة – سراييفو :
وأخيرا زرت سراييفو عاصمة دولة البوسنة والهرسك، التي تقع في منطقة البلقان جنوب شرقي أوروبا. للتعرف عن كثب على تاريخها وأسباب الصراعات فيها والاستمتاع بطبيعتها الخلابة .
لمجرد خروجي من المطار ذهبت برفقة الأصدقاء الذين كانوا في انتظاري الي مطعم على ربوة جبلية خضراء للاستمتاع بالاطباق المحلية الذائعة الصيت والمكونة من اللحوم المشوية مع الخضار , كنت حريصا على تناول الطبق الوطني للبوسنة والهرسك “كيفابي” وهو عبارة عن نقانق لحم البقر المشوي في خبز بيتا مع البصل المفروم وجبن كاجماك وسلطة الطماطم والخيار،
بعد تلك الاطلالة البانورامية على سراييفو من اعلى الجبل واستراحة الغذاء في ذلك المطعم العائلي الرائع توجهت بالسيارة الي وسط سراييفو حيث المكان الذي أغتيل فيه وريث عرش الإمبراطورية النمساوية المجرية، فرانس فرديناند، وهو الحدث الذي أشعل لاحقاً أحداث الحرب العالمية الأولى في عام 1914.
ومنذ ذلك التاريخ عاشت البوسنة والهرسك سنوات طويلة من الحرب الأهلية الدامية بين سكان البلاد من المسلمين والمسيحيين. ولم تهدأ فيها الصراعات اطلاقا سوي بضع سنوات مضت على انهيار المعسكر الشيوعي وتفكك الاتحاد اليوغوسلافي وبروز القوي الإقليمية الصاعدة في البلقان . في وسط المدينة التاريخية القديمة لامست مزيجا جميلا من الإرث الإسلامي والإرث الأوروبي الذي يستحق الزيارة حيث أصبحت سراييفو واحدة من أروع المدن العالمية في أوروبا.
تجولت مرات عدة في السوق العثمانية “باسكارسييا” التي يرجع تاريخها إلى القرن الخامس عشر واستمتعت باستكشاف شوارعها الجانبية. تنسمت رائحة القهوة التركية وشاهدت صائغي الفضة وهم يدقون اللوحات والأواني على صوت موسيقى البوب الحديثة التي تشتهر بها منطقة البلقان والصادرة عن العديد من المتاجر والأكشاك الصغيرة.
كما تعرّفت على أحداث الحرب العالمية الأولى في متحف لاتين بريدج آند ميوزيوم، فقد شهدت هذه المنطقة قيام غافريلو برينسيب باغتيال الأرشيدوق النمساوي فرانز فرديناند في شهر يونيو عام 1914، الأمر الذي أدى إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى.
ركبت قطار راتلي رام لاستكشاف المدينة. حيث تضم سراييفو أول نظام ترام كهربائي في أوروبا، وهو وسيلة مثالية للرحلات المكوكية بين محطات الحافلات والقطار، وتعرفت على ضواحي الحقبة السوفيتية التي تتسم بالمباني ذات العمارة الهندسية البربرية، واكتشف البلدة القديمة المذهلة.
كما قمت برحلة ترفيهية لينابيع فريلو بوسني التي ينبع منها نهر بوسنا وتشكل جزءً من حديقة وطنية غنّاء جميلة.
تاريخ حافل
تستند سراييفو الى تاريخ حافل بمعالمها الأثرية السياحية والمزارات التاريخية فضلا عن جمال أخاذ يأسر الألباب وطبيعة خضراء وجبال بيضاء شتاء تستهوي عشاق الرياضات الشتوية على جبل بيلازنيكا.
وتشتهر سراييفو بتنوعها الثقافي والديني، حيث تجمع مختلف الأديان السماوية ومنها الدين الإسلامي واليهودية والمســـيحية الأرثوذكسية في تعايش امتد لقرون مضت قبل ان تبدأ كراهية الحرب في نهــــاية القرن الماضـــي ولذلك سميت بقدس اوروبا او قدس البلقان نظرا لحالة التعايش التي كانت سائدة خلال القرون الماضية بين مختلف الاديان.
كما ان سراييفو هي المدينة الوحيدة من بين مدن اوروبا الرئيسة التي تحتضن مسجداً وكنيسة كاثوليكية وكنيسة أرثوذكسية وجميعها ضمن محيط جغرافي.
وباعتبارها احد مراكز الامبراطورية العثمانية في القرن الخامس عشر كانت سراييفو محــــور اهتمام عالمي خلال هذه السنوات، ففـــي عام 1885 كانت اول مدينة في اوروبــا والثانية على مستوى العالم التي تمتلك شبكة ترام كهربائية متكامـــلة تغطي كامل المدينة بعد سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة.
ومن ارثها التاريخي ايضا ان احد جسورها الشهيرة وهو الجسر اللاتيني كان موقعا لاغتيال ارشيدوق النمسا وهي الحادثة التي اطلقت شرارة الحرب العالمية الأولى.
ورغم ان المدينة استضافت دورة الالعاب الشتوية في عام 1984 الا انها بعد ذلك وخلال الفترة من 1992 -1996 خضعت لأطول حصار في التاريخ الحديث، حيث امتد حصارها أكثر من 1425 يوما خلال حرب البوسنة.
لكن المدينة نهضت من بين ركام الحرب واعيد ترميم الكثير من اجزاء المدينة المهدمة وصنفت في عام 2010 من بين الوجهات العشر في العالم التي يتوجب زيارتها. وانتخبت في عام 2011 عاصمة للثقافة الاوروبية وتستضيف في العام 2017 مهرجان الشباب الأولمبي الأوروبي.
معلومات عن سراييفو
وقبل أن تصبحَ مدينة سراييفو عاصمةً للجمهوريّة كانت في مطلع القرن العشرين الميلادي عبارةً عن مقاطعةٍ تتبعُ للمملكة النمساويّة، ولكنّها انفصلت عن المملكة مع انفصالِ المُدن الأخرى لجمهوريّةِ البوسنة والهرسك، وانضمّتْ إلى اتحادِ يوغسلافيا حتى عام 1992م عندما أعلنت البوسنة والهرسك استقلالها، والذي تضمنُ التأكيدَ على أنّ مدينة سراييفو هي العاصمة الرسميّة للجمهورية
تقعُ مدينة سراييفو تقريباً في وسطِ جمهورية البوسنة والهرسك، وتغطي مساحةً جغرافيةً تقاربُ 141,5 كم² من إجمالي مساحة الجغرافيّة، وتمتدُ من شرق إلى غربِ سراييفو سلسلةٌ من المرتفعات الجبليّة، أمّا منطقة الشمال الغربيّ فيوجدُ فيها وادي مدينة سراييفو، ومن الجهة الجنوب غربيّة تحيطُ بالمدينةِ جبال بيلاسنيكا، والتي تقعُ بالقُربِ من مجموعةٍ من التلال المرتفعة، ويشيرُ التقسيمُ الجغرافي للمدينة أنها محاطةٌ بالعديدِ من المرتفعات مع قلة وجود المناطق السهليّة. أمّا مُناخ مدينة سراييفو فهو قاريّ متوسّطُ درجات الحرارة، فلا يعتبرُ فصلُ الصيف في المدينة حاراً؛ إذ تصلُ درجة الحرارة العظمى في شهور الصيف إلى 30 مئويّة، ولكن يعدُّ فصل الشتاء من الفصول الباردة نسبياً، وخصوصاً في شهر كانون الثاني “يناير” والذي تصلُ درجة الحرارة فيه إلى ما يقارب 7 درجات مئويّة تحت الصفر، أمّا متوسطُ هطولِ الأمطار فيصلُ إلى 570 ملم في شهورِ فصلِ الشتاء
تعتبرُ الثقافة العامّة في مدينةِ سراييفو من الثقافات العالميّة المتنوّعة، والتي تشكّلُ خليطاً من مجموعةٍ من الثقافات الأوروبيّة والعثمانية، والذي يظهرُ في المعالمِ الحضاريّة العامّة في المدينة، ومن أشهرِ هذه المعالم: مسجد باسكارسييا، ومسجد علي باشا، ومسجد فرهاديا، وأيضاً البيوت التقليدية التي تشكلُ جزءاً مهماً من التراثِ السائد في المدينة. أمّا مظاهرُ الثقافة العامّة في المدينة فتظهرُ بوضوحٍ في المتحف الوطنيّ الذي يجمعُ العديدَ من القطع الأثريّة التي تعودُ لمختلف الحضارات التي حكمت المدينة، وأيضاً طبيعة الّلهجات المتنوّعة بين سكانِ المدينة، والتي تختلفُ باختلافِ أصول السكان، والذي انعكس على الحياة الأدبيّة في المدينة، والتي تظهرُ في المسرحيّات التي تقدمُ في مسرحِ مدينةِ سراييفو الوطنيّ .
ابرز معالم سراييفو
وتحيط بمدينة سراييفو غابات خضراء كثيفة وجبال عالية تجعل منها ملاذا طبيعيا للسياح، فهي تقع في وادي يحيط به 5 جبال رئيسة اعلاها يرتفع لأكثر من 2088 متراً وهي قمة تريسكافيكا وجزء من هذه الجبال استضاف يوما ما الالعاب الاولمبية الشتوية وسميت الجبال الاولمبية. اما نهر ميلجاكا فهو احد ابرز معالم المدينة..
حيث ينساب من خلالها من الشرق الى وسط المدينة متجها الى الغرب، حيث يلتقي بنهر البوسنة وهناك عدة انهار صغيرة تمر ايضا بالمدينة لكن ميلجاكا هو نهر سراييفو.
ويمتاز مناخ سراييفو بأنه مناخ محيطي، حيث يلاحظ فيه الفصول الاربعة مع طابع البحر الادرياتيكي، فيما تضفي الجبال هناك لمستها الخاصة على المدينة بدرجة حرارة تصل الى 10 درجات تنحدر الى ناقص 5 درجات في شهر يناير وهو ابرد شهور السنة. واليوم هناك معالم حديثة باتت تنتشر في المدينة منها وسط المدينة وبرج افاز الملتوي وبوسمال سيتي سنتر وهناك الطرق الحديثة ومراكز التسوق التي بدأت تنتشر في مختلف أرجاء المدينة .