نيروبي – د.جمال المجايدة : منذ زمن بعيد وأنا احلم برحلة تكون اشبه بمغامرة سياحية الى سفاري كينيا, الى ان جاءت اللحظة المناسبة للقيام بالرحلة الي محمية ماساي مارا , احد اكبر المحميات الطبيعية في العالم ,
وصلنا الي المحمية الطبيعية عصرا قادمين اليها من العاصمة نيروبي بطائرة تعمل بمروحة واحدة تتسع لاثني عشر راكبا فقط , وحطت عجلات الطائرة الصغيرة علي مهبط طيني وسط اشجار وحشائش السافانا الاستوائية الخضراء .
نسمات الهواء وهدوء الطبيعة المختلط مع اصوات الطيور والحيوانات في تلك المنطقة تعطي قوة للاحساس بالمكان .
اقترح المرشد السياحي القيام بجولة في المحمية قبل العودة الي الفندق – المخيم لمشاهدة الحيوانات البرية قبل ان تخلد الي النوم حيث كانت الشمس تميل قليلا الي الغروب واشعتها الاقحوانية ترسم اجمل اللوحات فوق سماء زرقاء صافية .
كيف بدأنا المغامرة !
بدأت الرحلة المغامرة باستخدام سيارات دفع رباعي لاندروفر تشبه عربات الجيوش وهناك شاهدنا عن قرب حياة الاسود والفيلة ووحيد القرن والظباء والحمار الوحشي والضباع والبقر الوحشي والقرود والطيور النادرة والنسور , شاهدنا اشياء كثيرة لافتة في اكبر منتجع طبيعي في العالم لما يحتوية من من تنوع هائل الا ان الامر المثير هو تلك اللحظات التي سجلتها بعدسة الكاميرا للاسود وهي تمارس الحب ذكورا واناثا , وشاهدناها ايضا بعد ذلك صباح اليوم التالي وهي تتعارك علي اقتسام مناطق النفوذ لصيد الطرائد !
اللبوة تهاجم زوجها الاسد لمجرد تخطيه حدود منطقة نفوذها ! والدم يرشح من جبهته العريضة وهي تتفرج ! حياة مليئة بالحب والقتال والدماء بين افراد الاسرة الواحدة من عائلة الاسود طبعا .
شاهدنا اصطياد الاسد لحيوان فرس النهر ووحيد القرن وكيف يمزق تلك الاجساد الضخمة اربا !
شاهدنا النسور وهي تحيط بالجيف المتبقة التي تحوم حولها الضباع مع حلول المساء وكيف تهرب منها الخنازير البرية.
شاهدت ايضا اكبر قطعان للغزلان في حياتي والتي لم اشاهدها في أي مكان اخر زرته في افريقيا وشاهدت قطعات بمئات الالاف للحمار الوحشي في مناطق تبعد عشرات الكيلومترات عن مناطق نفوذ الاسود واللبوات !
شاهد تاشياء كثيرة وتعلمت الكثير في تلك الرحلة المثيرة !
مغامرة وسط الاسود
ويمكن القول ان رحلات السفاري التي تنظمها المحمية تجلب مئات الألاف من السياح على مدار العام ممن يستهويهم مشاهدة الحيوانات في بيئتها الطبيعية والأصلية , و كنا من بين هؤلاء الذين حالفهم الحظ للقيام بمغامرة التنزة وسط الاسود والحيوانات المتوحشة والمفترسة والتقاط الصور لها عن قرب .
قلق وخوف !
السائق ويدعي موسي غالوا هو المرشد وهو الخبير في طبائع الحيوانات المفترسة وكنا نشعر بالقلق والخوف الشديد حينما يوقف محرك السيارة بجوار قطيع من الاسود واشبالها ليدع لنا المجال للتأمل والتقاط الصور بلاحواجز ولاخوف .
كان يرد دائما انه يستطيع قراءة الموقف في اعين الحيوان ويقدر بالتالي ردة الفعل , الا انه في الوقت نفسه هناك مخاطرة كبيرة لان السيارة التي كانت تقلنا كانت سيارة مكشوفة وبامكان الحيوانات المفترسة القفز داخلها خلال ثوان فقط !
خلال الجولة المسائية التي استكملها السائق المرشد موسي في فجر اليوم التالي اتاحت لنا الاستمتاع ببعض من أجمل المناظر الطبيعية وأكثرها سحراً وسط المحمية التي تميز كينيا وتجعل منها وجهة سياحية جاذبة .
امضينا ساعات طوال في وسط الادغال و الغابات الاستوائية
الكينية بما فيها من تنوع نباتي وحيواني .
معلومات لابد منها !
ويكفي ان تعرف عزيزي القارئ ان محمية ماساي مارا للحياة البرية تمتد على مساحة 1672 كيلومتراً مربعاً جنوب غرب كينيا على مقربة من الحدود مع تنزانيا مما يعني ان الحياة البرية هناك لها طعم اخر ولايمكن وصفها في بضع كلمات : انها الطبيعة البكر النقية الصافية التي تعيد الانسان الي حياة ماقبل التاريخ وتتيح له الاطلاع علي قانون شريعة الغاب الذي ينظم الحياة بين الحيوانات كافة !
وتقع محمية ماساي مارا شمال المروج الكبرى لشرق إفريقيا، ويهاجر اليها حوالي مليون حيوان آكل العشب بما فيها بقر النو وحمار الزرد والظبي في الفترة مابين شهر يوليو وحتي شهر أكتوبر كل سنة تماشيا مع حلول فترة الانتقال بين فصلي الجفاف والمطر هناك، بحيث تتمتع الحيوانات آكلة اللحم مثل الأسد والفهد بأيام سعيدة تجد فيها طعاماً وفيراً وتتكاثر صغارها .
وتأخذك هذه الرحلة المثيرة إلى اثنين من أكثر المحميات روعة في كينيا فالمياه الغنية بالصودا في بحيرة ناكورو تعد موئلاً مثالياً لأكبر أسراب الفلامنغو في العالم، أما السهول المتموجة فهي توفر إحدى أفضل فرص مشاهدة الحيوانات البرية كما انها تمثل موطن الأسود والنمور والفهود والفيلة . واكثر ما تشتهر به المحمية هو الملايين من حيوانات النو والحمير الوحشية بحركتها الهادرة عبر المناظر الطبيعية خلال الهجرتين السنويتين طيلة فصل الصيف الحار والذي يجتذب عادة الاف الزوار .
بالطبع فان كينيا من أفضل الأماكن في إفريقيا لرحلات السفاري ومشاهدة الحياة البرية وهناك مناطق عديدة مختلفة لكل منها مناظرها الطبيعية وحيواناتها الخاصة .
في المخيم المرعب
مع حلول المساء وصلت بنا السيارة الي الفندق وهو عبارة عن خيم اشبه بخيم الجيوش المتناثرة بعناية تحت الاشجار العملاقة علي ضفاف نهر صغير , موظف الاستقبال الذي رحب بنا بحرارة عالية قال حرفيا ” اهلا بكم , الان كل ضيف سوف يذهب الي غرفته ( الخيمة) مع مرافق مزود ببندقية ومصباح كهربائي ( تورش) ولاننصح بالخروج من الخيمة بدون مرافق !
ثم واصل حديثه قائلا ” هناك الفيلة تتجول طوال الليل وكذلك الحيوانات المفترسة الاخري مثل الضباع وغيرها ولذلك اطلب من كل ضيف استخدام المصباح التورش كاشارة للحارس لاصطحابة الي المطعم او لزيارة زميل له في خيمة مجاورة !
بالطبع شعرنا بالخوف والقلق ! ومعه تطاير النوم من عيوني فالخيمة بسيطة ويمكن لفيل تائه ان يسحقها في ثوان معدودات كما انها غير مزودة بهاتف او اية وسيلة اتصال للابلاغ عن خطر داهم اثناء الليل!
لقد حدث ماكان متوقعا وانا في طريقي ليلا الي الخيمة بعد تناول العشاء في المطعم , والثرثرة حول جلسات مواقد النار وسط حوش المنتجع الصحراوي , فقد كان الفيل الضخم يمارس هوايته في قطع الاشجار ليلا وتوقف الحارس فجأة وطلب مني العودة الي حيث اتيت لحين مغادرة الفيل الي مكان اخر!
والحارس يقول انه لااحد بامكانه ايقاف الفيلة فهي من اكثر الحيوانات فتكا بالانسان اذا ماحاول اعتراض طريقها !
في فجر اليوم التالي جاء الحارس حاملا القهوة لايقاظي في الخامسة صباحا للقيام برحلة صباحية بالسيارة في المحمية التي توفر ملاذاً للزرافات من فصيلة روتشيلد، وحيد القرن والفهود والاسود والظباء والقرود وغيرها .
في الصباح الباكر تكون الاسود وصغارها المتحلقة حولها في غاية الهدوء والرومانسية تفتتح اعينها من النوم لتشاهدنا حولها , الامر المهم في تلك اللحظة هو التزامنا الهدوء وعدم القيام بحركات فجائية قد تحول هدوء الاسود الي غضب عارم !
من الصعوبة بمكان احصاء عدد حمير الوحش والزرافات والابقار التي شاهدناها في الصباح الباكر في ماساي ماري وهي كما اسفلنا واحدة من اشهر محميات الحيوانات البرية في العالم.
قلت للمرشد موسي سوف ادفع لك مائة دولار لو تمكنت من ان يحصى قطيعا من ظباء الـ (ويلدبيست) على بعد نصف كيلومتر من السيارة فيما تنصرف عيناي إلى رؤوس غزلان طومسون.
وتشكل محمية ماساي مارا – التي افردت للحيوانات البرية في العام 1961 وخصصت مداخيلها السياحية لقبائل الماساي – ستة في المئة من نظام سيرنغيتي – مارا البيئي: وسيرنغتيني هي الجزء الجنوبي الأكبر للنظام البيئي في تنزانيا، فيما يعرف الجزء الشمالي الذي يجتاز الحدود إلى كينيا باسم مارا.
وتضم كينيا ايضا مقطعا أخر من النظام البيئي يشكل 19 في المئة من المحمية التي يحافظ عليها تقليد الملكية الجماعية.
ومنذ اواسط سبعينات القرن الماضي تراجع عدد الحيوانات البرية في مارا بنسبة 60 في المئة في حين ان عدد السكان البشر في المحمية ارتفع الى اكثر من الضعف.
وتسيطر قبيلة ماساي علي تلك المحمية الطبيعية وتقوم بارسال ابقارها إلى المحمية واشعال الحرائق، أو احياء التقليد الممارس منذ ثلاثة قرون بطريقة من الطرق، فضلا عن ضمان بقاء الاراضي المحيطة بالمحمية، وهي ملكية خاصة، مفتوحة امام الحيوانات البرية.