باكو – د. جمال المجايدة :
زرت محمية جوبوستان التاريخية إحدى الأماكن الفريدة في العالم، والتي تقع على بعد ساعة بالسيارة من العاصمة الاذرية باكو . وبمجرد وصولنا الى هناك وجدت نفسي في زمان ومكان مختلفين. طبيعة صامتة , هدوء , فنون اسطورية منحوتة على صخور الجبال , انها حضارة ماقبل التاريخ !
وبعد تلك الرحلة فهمت اسباب إدراج اسم جوبوستان فى قائمة اليونيسكو للتراث العالمي تحت مسمى مدينة الثقافة والفن الصخري للمناظر الطبيعية لإحتفاظها بآلاف من الأحجار الصخرية المنقوشة التى يعود تاريخها إلى القرن الـ12 قبل الميلاد.فوق أكثر من 100كيلو متر مربع من الصخور تشاهد تلك الحفريات التى تصور مشاهد للصيد، بشر،سفن، ابراج،حيوانات مختلفة، تم نحتها بإتقان داخل جدران الكهوف ولكن يعتقد أن هذه الكهوف قد تعرضت للإنهيار بمرور الوقت ،ليصبح المكان فيما بعد فى حالة من الفوضى الصخرية التى آلت إليه الأن.
كما تشتهر الحديقة الوطنية بالمنحوتات القديمة ولوحات الكهوف والبراكين الطينية، فقط تخيل 537 هكتار من نمط ما قبل التاريخ ، هذه الرحلة رائعة حقًا، حيث تعكس التلال الصخرية في منطقة جوبوستان التاريخ الكامل لهذه المنطقة من العصر الحجري وحتى العصور الوسطى ما بين ما يقرب من 6000 من المنحوتات الصخرية واللوحات التي تصور حياة ما قبل التاريخ
ويعتقد عالم الأنثروبولوجيا والمغامر والبيولوجي النرويجي ثور هيرداهل، أن الأدلة التاريخية لأكثر من 6000 لوحة كهفية في جوبوستان أثبتت أن أذربيجان مهد الحضارة التي هاجر منها الناس إلى شمال أوروبا منذ آلاف السنين. على حد تعبيره: “يجب أن يكون الأذربيجاني فخورين بثقافة أجدادهم التي تعد ضمن الأقدم في العالم.
تمثل نقوش جوبوستان شهادة استثنائية عن نمط الحياه والعمل الجماعي ، والصيد ، والحصاد ، وطقوس الرقص، وصور للحيوانات ، والطعام حول النار في وقت كان فيه مناخ المنطقة والغطاء النباتي فيها أكثر دفئًا ورطوبة من اليوم.
كهوف من صنع الانسان!
تم اكتشاف القيمة الأثرية لجوبوستان عندما دخل مجموعة من الرجال إلى منجم للحصى في عام 1930، في حين أن المنطقة وفيرة في الصخور والتكوينات الحجرية ، لاحظ أحد عمال المنجم المنحوتات المقدسة على الصخور. اكتشفوا أيضا كهوف من صنع الإنسان حيث يمكن العثور على المزيد من الرسومات.
ثم تم اكتشاف اللوحات الصخرية لجوبوستان في عام 1939 من قبل عالم الآثار جعفر زاده، فعلى هذه الأرض وجدت العديد من آثار الإقامة البدائية لمن عاشوا فترة العصر الحجري القديم و العصر الحجري الحديث، إذ تغطي النقوش الصخرية لجوبوستان فترة تاريخية طويلة قرابة 15000 عام
وبعد هذه الرحلة المثيرة لابد من القول ان أذربيجان تعد واحدة من أقدم مراكز الحضارة الإنسانية وأحد أقدم دول العالم، وهي دولة ذات تاريخ غني وثقافة فريدة،
ويمكنكم خلال الزيارة رؤية الصخور التاريخية في هذه المحمية التاريخية والتي تعكس الحقبة الثقافية والتاريخية التي كانت موجودة على أراضي هذه المنطقة، فخلال العصر الحجري، أي منذ حوالي 12000 إلى 15000 عام، عندما كان ساحل بحر قزوين أكثر ثراءً وخصوبة، استقرت مجموعة كبيرة من الصيادين في مجموعة من الكهوف، نحتوا فيها العديد من النقوش، ولا يزال العديد من هذه المنحوتات الحجرية باقية حتي يومنا هذا وبالفعل ستستمتع عزيزي القارئ عند اكتشاف جوبوستان بروعة المناظر الطبيعية، وستشعر وكأنك تسير على سطح القمر، حتى أنه سيمكنك سماع القليل من أصوات الفقاعات من الحفر الطينية، والتي من حين لآخر يندلع إحداها نتيجة الانفجار.