عجلون (الاردن) – من جمال المجايدة
امضينا يوما كاملا برفقة العائلة في عجلون , متعة ونزهة بين الاودية وفوق التلال الخضراء والجبال المحيطة بالمدينة العريقة
لقد كانت نسمات الهواء الباردة تهب من صوب علي القمم الجبلية التي توقفنا بها , وبصراحة هذه هي المرة الثانية التي ازور فيها عجلون خلال عام واحد فهي مدينة التاريخ والطبيعة الجميلة , ولكني في المرة الثانية امضيت وقتا اطول لكي يستمتع كل من كانوا معي بتلك الجولة التي لاتنسي !
لقد تناولنا الغذاء والعشاء في تلك المدينة التي تعتبر من أجمل مدن الاردن وابتعنا المزيد من فاكهة التين والعنب الشهيرة التي تتميز بها عجلون اذ للمذاق طعم اخر لايمكن الحصول علي مثيل له في مناطق اخري .
تجولنا وسط غابات الصنوبر وبساتين الزيتون وكروم العنب والتين الاسطورية منتشرة علي مد البصر لتضفي علي المكان مشهد ساحر لامثيل له وبعد استراحة قصيرة , توجهنا صوب القلعة الشامخة اعلي الجبل صعدنا الي قمة جبل يرتفع 1050 متر عن سطح البحر حيث ترقد قلعة عجلون من اعلي القمة شاهدنا جبال فلسطين وضفاف البحر الميت .
تضم مدينة عجلون اضافة الي القلعة حوالي 200 موقع أثري وتاريخي تتميز بأنها مصيف الأردن لجمالها الطبيعي وغاباتها وطقسها الصيفي الجميل ووفرة انتاجها من الزيتون والفواكه والخضار المتنوعة .
تمتاز عجلون بأنها واحدة من المدن الأردنية التي تخلو أراضيها من الصحراء وتكسو الأشجار جبالها التي ترتفع أكثر من ألف متر وكذلك الثلج شتاء كل عام وحباها الله بالطبيعة الجبلية المتباينة الارتفاع وبتضاريسها الخلابة ومخزونها من الاشجار الحرجية الكثيفة وغابات الصنوبر والسنديان وكذلك الطقس المعتدل صيفاً.
قلعة عجلون
تعرف باسم ( قلعة صلاح الدين ) أو ( قلعة الربض ) , تم بناؤها من قبل المسلمين في 1184-1185 بمثابة حصن عسكري، لحماية المنطقة من القوات الغازية الصليبية ولحماية الطرق التجارية للمسلمين والحفاظ على خطوط المواصلات وطرق الحج بين بلاد الشام والحجاز , و تعتبر احد المعالم الاثرية المهمة في الاردن وتستقطب سنويا حوالي 140 الف سائح 70 في المئة منهم من دول الخليج العربي.
توضح اللوحات الارشادية المعلقة علي المدخل انه , تم بناء القلعة بأمر من ألامير عز الدين أسامة ، وهو ابن شقيق صلاح الدين الأيوبي القائد الايوبي (صلاح الدين)،
في الحقيقة ان القعلة تعتبر مثال رائع للعمارة العربية والإسلامية اذ انها مشيدة على رأس جبل شامخ , على شكل شبه مربع وفيها أربع أبراج كل برج يتكون من طابقين كما انها مبنية على احدى جبال عجلون الشامخة التي تطل على فلسطين الحبيبه ويمكن رؤية أجمل الصور وأروع المناظر لجبال عجلون عند الوقوف على أحدى أبراجها.
يقال ان القلعة اشتقت اسم الربض من موقعها كونها “تربض” على ظهر تل شاهق الارتفاع عرف باسم جبل عوف نسبة الى بني عوف الذين أقامت عشيرة منهم في الجبل أيام الفاطميين واستمدت القلعة اسمها الثاني قلعة (صلاح الدين) من القائد الاسلامي التاريخي صلاح الدين الأيوبي الذي اتخذها نقطة انطلاق لجيوشه المتوجهة صوب مدينة القدس.
ووفق المصادر التاريخية الموثقة شيد القلعة التي ترتفع 1023 مترا عن سطح البحر القائد الأيوبي عز الدين أسامة بن منقذ أحد القادة البارزين الذين خاضوا الحروب الى جانب القائد صلاح الدين الأيوبي عام 1148 الذي اتخذها قاعدة في حملته العسكرية لطرد الصليبيين في وجه قلعة بيلفوار التي شيدها الصليبيون قرب بحيرة طبريا في فلسطين وذلك بسبب موقع قلعة الربض الاستراتيجي لسيطرتها على طرق المواصلات بين سورية وجنوب الأردن.
وكان الهدف من اقامة قلعة صلاح الدين في هذه المنطقة الجبلية المطلة من جميع الجهات حماية المنطقة من الزحف الصليبي والحفاظ على خطوط المواصلات وطرق الحج بين الشام والحجاز لأنها تشرف على وادي الأردن وسهول حوران في الشمال ونظرا لموقعها المرتفع فقد استعملت عبر تاريخها مركزا للحمام الزاجل ومنارة لنقل الأخبار والبريد من حدود الفرات الى القاهرة.
ان للقلعة شكلا هندسيا مربعا ولها أربعة أبراج يتكون كل منها من طابقين وأضيف برجان يقعان الى يمين المدخل الحالي بعد معركة حطين.
كما ان الخندق المحيط بالقلعة حفر ليكون خطا دفاعيا ويقع خزان مياه كبير على يسار المدخل وهناك خمسة مخازن أخرى للمياه داخل القلعة التي تتنوع فيها الأبنية الداخلية والردهات والغرف. – وتضم القلعة قاعات مزودة بخدمات متكاملة لها نوافذ يؤكد المسؤول السياحي الأردني أنها كانت تغلق بحجارة سهلة التحريك في أيام الحرب وتزال منها النوافذ أوقات السلم لدخول الشمس والهواء الى داخل القلعة التي تتميز حجارتها بأنها خشنة وضخمة .
وشهدت القلعة العديد من المراحل التاريخية اللاحقة اذ جرى توسيعها عام 1214 بعد وفاة القائد عز الدين بن أسامة بن منقذ ببناء البرج الجنوبي والبوابة التي زينت بنقوش بارزة.
وفي عام 1260 دمر المغول القلعة الى حد كبير لكن السلطان المملوكي الظاهر بيبرس أعاد بناءها تقريبا وفي العهد العثماني القرن ال 17 كانت تتمركز في قلعة صلاح الدين (الربض) حامية من 50 جنديا.
وهناك أهمية كبيرة للقلعة في الذاكرة الاسلامية فمن قلعة عجلون هزم الناصر صلاح الدين الأيوبي جيوش الصليبين بحروب استمرت ثمانية أعوام واجه خلالها22 ملكا أوروبيا ومنهم فريدريك الالماني وريتشارد قلب الأسد الانجليزي خاض ضدهم 74 معركة وحرر 50 مدينة وقلعة قبل أن يهاجمه الموت عن 57 عاما. وقد سميت قلعة عجلون بقلعة “ابن فريح” أيام العثمانيين إشارة إلى قبيلة الفريحات التي حكمت تلك المنطقة لمئات السنين في ذلك الوقت كما ان هناك أثرا لقلعة عجلون في التطور الحضري للمكان الذي توسع عمرانيا في العهدين الأيوبي والمملوكي حيث انتشرت الأسواق وجذبت الكثير من العشائر العربية التي استقرت في مرتفعاتها .