جدة، المملكة العربية السعودية، أبريل، 2025: يشهد مطعم “نيرا” في منتجع ديزرت روك على تناغم بين أساسيات الطبخ والإبداع في عالم الطهي، حيث يعتمد على فن الطهي القديم باستخدام الحطب والأساليب التقليدية. ويتناسب هذا الأسلوب في تحضير الطعام بشكل مثالي مع أجواء المطعم، ويعكس شخصية الشيف المستشار الحائز على نجمة ميشلان في مطعم “نيرا”، عثمان سيزينر. بالنسبة له، “لطالما كانت النار عنصرًا بالغ الأهمية، ونحن حريصون على إبقاء شعلة النار مشتعلة، لا سيّما أنّها كانت تجمع الناس حولها وتقوي الروابط بينهم في الماضي”. ويصف الشيف مطعم “نيرا” بأنه “طفله العزيز”، باعتباره أحدث إضافة إلى مسيرته المهنية المتنامية في مجال الطهي، والتي تمتد جذورها إلى مطعم عائلته في مسقط رأسه إزمير في تركيا، مطعم “بيتزيريا فينيديك”.
يروي الشيف عثمان سيزينر كيف بدأ والده مسيرته في مجال المطاعم منذ 45 عامًا، حيث افتتح مطعمه الإيطالي الذي أصبح معلمًا بارزًا في مدينة إزمير التركية. وعلى مر الأجيال، كان المطعم مكانًا يلتقي فيه الناس، حيث زاره العديد من روّاده الذين التقوا وتزوّجوا فيه، وها هم يعودون اليوم مع أبنائهم لتكرار نفس التجربة العائلية.
وفي عام 2023، تلقى مطعم “بيتزيريا فينيديك” تكريمًا كبيرًا عندما أدرجته شركة ميشلان ضمن قائمة المطاعم الموصى بها في دليلها بعد زيارة أجرتها إلى مدينة إزمير. ورغم أن الشيف سيزينر حصل على نجمتين ميشلان لأحد مطاعمه الأخرى، بالإضافة إلى نجمة خضراء لالتزامه بالاستدامة، إلا أن تكريم مطعم عائلته كان له معنى خاص، حيث يعتبره “أكثر تميزًا”، ويضيف: “تتفوّق هذه التوصية على جميع نجوم ميشلان الأخرى بالنسبة إليّ”.
لطالما شكّلت ثقافات الطهي المتنوّعة في مختلف أنحاء العالم مصدر إلهام للشيف عثمان سيزينر. ويقول سيزينر: “ارتدتُ المدرسة الثانوية الأمريكية في إزمير، وكان والدي، خلال سنوات نشأتي، يصطحبنا في العطلات إلى وجهات التزلّج وأماكن متعدّدة في أوروبا، مما ساهم في تطوير حاسة التذوّق لديّ”.
وتأثر سيزينر أيضًا بأصول جدّتيه الألمانية واليونانية، حيث يشير إلى القهوة والمعجنات الألمانية التي رافقت يومياته خلال ساعات العصر، وإلى التجمّعات العائلية الكبيرة حول المائدة في أشهر الصيف. هذه التجارب المتنوّعة شكّلت أسس حبه للطهي وأثّرت في مسيرته الإبداعية.
بعد طفولة محاطة بالمأكولات والمشروبات من جميع الأنواع، قرر الشيف عثمان سيزينر أن يواصل مسيرته التعليمية في إدارة الفنادق في أنقرة، حيث بدأ دراسته في هذا المجال. ومع مرور الوقت، اكتشف شغفه الحقيقي في العمل داخل المطبخ، فكان من الطبيعي أن يتخذ خطوة كبيرة في مسيرته المهنية. في عام 2007، قرر السفر إلى نيويورك للالتحاق بالمعهد الفرنسي للطهي، وهي خطوة كان يراها مهمة لتوسيع آفاقه. وقد اختار نيويورك بشكل خاص لأنها “أشبه بملتقى تجتمع فيه العديد من الحضارات، ما يتيح له تجربة مطابخ من ثقافات مختلفة”.
يقول سيزينر إن تجربة عائلته في مجال المطاعم لعبت دورًا كبيرًا في توسيع فهمه للطهي، حيث مكنته من التعرف على أماكن متنوعة وتجربة أطعمة مختلفة. بعد دراسته في نيويورك، عاد إلى تركيا ليستكشف مجال المطاعم المزدهر في إسطنبول، ثم انتقل مجددًا إلى إزمير للعمل جنبًا إلى جنب مع والده في مشروعهما العائلي.
في إطار مشروعه العائلي، افتتح سيزينر سلسلة من مطاعم البيتزا التابعة لمطعم عائلته الأساسي، ونجح في افتتاح ستة فروع في غضون أربعة أشهر فقط. شهدت السلسلة نموًا سريعًا، مما دفعهم لتلقي ما بين 100 إلى 150 طلب امتياز. كما أسسوا شركة متخصصة في تقديم خدمات الضيافة والمأكولات الفاخرة للمنازل والفعاليات وحفلات الزفاف. حققوا نجاحًا ملحوظًا، حيث شاركوا في 120 فعالية خارجية خلال ثلاثة أشهر فقط، وقدموا الطعام في ثلاث حفلات زفاف في نفس الليلة. كما تمكنوا من شراء أربع شاحنات لتلبية الطلبات المتزايدة.
على الرغم من انشغاله العميق بحبه الكبير لعمله، قرر سيزينر أن يخصص وقتاً للسفر إلى أوروبا وتجربة المطاعم الحائزة على ثلاث نجوم ميشلان التي سمع عنها كثيراً وأراد أن يختبرها بنفسه. ولكن المفاجأة الكبرى كانت عندما قرر زيارة مطعم الشيف إنريكو كريبا في مدينة ألبا، في إقليم بييمونتي الإيطالي. هناك، وبعد أن أُعجب بتفاصيل الطهي الفريدة، لم يتردد سيزينر في طلب الانضمام إلى فريق العمل كمتدرب.
لم يكن القرار سهلاً، لكن سيزينر عاد في الصيف التالي إلى المطعم لمدة عشرة أيام ليعيش تجربة لا مثيل لها. في تلك الأيام العشرة، اختبر لأول مرة ما يعنيه مفهوم “من المزرعة إلى المائدة”.
شكّلت هذه التجربة في الواقع نقطة التحوّل الكبرى في مسيرة سيزينر المهنية، وقرّر عام 2018 أن يفتتح مطعمه الخاص القائم على مفهوم “من المزرعة إلى المائدة”. ويقول: “كنّا نملك حديقة خاصة وأشجار زيتون في مكان جميل بالقرب من البحر، وتمكنّا من الحصول على أجود أنواع الأسماك ومكونات مميزة أخرى. افتتحت طاولة الشيف في وسط بستان الزيتون، فقدّمت فكرة لم يكن لها مثيل آنذاك في تركيا. أردت أن نجذب الجيل الجديد وأن نتمكّن من التحدّث مع الضيوف لنعرّفهم على الطعام الفاخر الذي لا يقتصر فقط على كبد الإوز، بل يضم خيارات تركية تتجذّر في المكونات الجيدة والمفيدة للجسم والروح”.
استغرق سيزينر أقلّ من أربعة أشهر لبناء مطعم “أو دي أورلا” وافتتاحه بمساعٍ عائلية حقيقية، حيث وضعت زوجته المهندسة المعمارية لمساتها الخاصة على المبنى لجعله مستدامًا قدر الإمكان. وفيما يتبنّى المطعم فلسفة “من المزرعة إلى المائدة” بالاعتماد على منتجات منطقة أورلا ويلتزم أيضًا بعدم الهدر، حاز على نجمة ميشلان ونجمة ميشلان الخضراء. وبالنسبة إلى المكوّنات، فإمّا تكون من منتجات المطعم الخاصة أو من الموردين المحليين حسب كل موسم. ويقول سيزينر عن ذلك: “نرغب في تشجيع المزارعين المحليين على التمسّك بأراضيهم ومواصلة إنتاج محاصيل متميّزة. ومن جهتنا، نزرع أكثر من 300 نوع من الزهور والأعشاب الصالحة للأكل، ونصنع زيت الزيتون والجبن والزبدة بأنفسنا من قطيعنا المكوّن من 200 رأس من الماعز والأغنام و30 بقرة جيرسي”.
يهدف سيزينر إلى جلب هذه الفلسفة إلى منتجع ديزرت روك، من خلال تقديم المطبخ التركي العصري الذي يتمحور حول الطهي على الحطب باستخدام مكونات سعودية. ويعمل الشيف وفريقه جاهدين للتواصل مع المزارعين المحليين لتحديد المنتجات التي يمكنهم تأمينها، نظرًا لعدم إمكانية توفير جميع المواد والمكونات اللازمة محليًا. ويوضح سيزينر في هذا السياق: “نجري أبحاثنا في الأسواق المحلية منذ فترة، وسنتمكن بالطبع من إيجاد المزيد من المنتجات والمكونات. حتى أن ما وجدناه حتى الآن يتجاوز توقعاتنا؛ لدينا حليب الإبل، والزعتر، والتمور الغنية، ونأمل أن نتوصل في نهاية المطاف إلى استخدام المنتجات المحلية بنسبة 80%”.
فيما يتّخذ المنتجع موقعًا استثنائيًا بين الصخور القديمة والصحراء الممتدة، تعيد النار المستخدمة في الطهي عبق عصور ما قبل التاريخ وتسلط الضوء على الطاقة الكامنة في المكان. سيستخدم فريق الطهي في مطعم “نيرا” أنواعًا مختلفة من الحطب لإضفاء نكهات متنوّعة على اللحوم والمأكولات البحرية والخضراوات، كما ستقدّم قوائم الطعام خيارات من اللحوم والمأكولات البحرية المعتّقة. في المقابل، يخطّط سيزينر لإضافة مجموعة من أشهر الأطباق من قائمة طعام مطعم “أو دي أورلا”، مثل طبق الأخطبوط المشوي على الحطب مع كريمة البطاطس المدخنة وصلصة الرمان، وطبق لحم الخد البقري المطهو ببطء مع فريك الشعير والفطر والقهوة التركية. وفيما ستُتاح لمحبّي اللحوم فرصة التلذّذ بقطع اللحم المعتّقة، سيجد النباتيون أيضًا العديد من الخيارات، أبرزها الكرفس المشوي، والهليون والكوسا المشوية على الحطب، ورافيولي اليقطين.
جديرٌ بالذكر أن الشيف عثمان سيزينر لا يدير فقط مطعمي “نيرا” و”أو دي أورلا”، بل يشرف أيضًا على مطابخ كل من مطعم المأكولات البحرية “إم إيه أورلا”، و”كيتشن بودروم”، و”بودروم إيديشن”. لكن بالنسبة إليه، يحتل مطعم “نيرا” ومنتجع ديزرت روك مكانة خاصة في قلبه، ويؤكد: “أعتقد أن لمنتجع ديزرت روك سحرًا خاصًا يلتمسه كل من يزوره. ففيه تغمرني مشاعر الاسترخاء والراحة، وتحيط بي السكينة، وأشعر بالأمان وكأنني في مكان لا يشبه سواه ويعجز اللسان عن وصفه.”