د.جمال المجايدة :
تمر القضية الفلسطينية بمرحلة حرجة تتطلب إعادة النظر في الواقع السياسي القائم، لا سيما في قطاع غزة، الذي دمرته إسرائيل على مدى الخمسة عشر شهراً الماضية . وبالتالي فان على حركة حماس التي تتحكم في المشهد منذ عام 2007. ان تعيد النظر في حساباتها وتتخلى عن حكم غزة لكي تنجح الخطط العربية والاوروبية والدولية في اعادة اعمار قطاع غزة .
ورغم الشعارات التي ترفعها الحركة حول المقاومة وإدارة القطاع، فإن الواقع يشير إلى أن استمرار حكمها يفاقم معاناة الشعب الفلسطيني، ويعيق تحقيق الوحدة الوطنية، ويضعف الموقف الفلسطيني أمام العالم.
الضرورة الملحة للتنحي
إن تنحي حماس عن الحكم في غزة لا يعني التخلي عن المقاومة، بل هو خطوة ضرورية لفتح المجال أمام تشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية، تُعنى بتحسين أوضاع الفلسطينيين، وتعمل على اعادة الاعمار وفتح شريان الحياة بالتعاون مع الاطراف الداعمة كافة والعمل لإنهاء الانقسام، وإعادة اللحمة إلى البيت الفلسطيني. يمكن لحماس أن تستمر كحركة سياسية لها دورها في النضال، ولكن دون أن تحتكر الحكم أو تتسبب في مزيد من المعاناة للشعب. فالحكم هو بحد ذاته مسؤولية وطنية وأخلاقية وإنسانية بالدرجة الاولى .
الواقع المأساوي في غزة
منذ سيطرة حماس على غزة، يعاني القطاع من حصار خانق، وتدهور اقتصادي، وبنية تحتية مدمرة، بالإضافة إلى غياب أي أفق سياسي للحل. ورغم أن الاحتلال الإسرائيلي يتحمل المسؤولية الكبرى عن معاناة الفلسطينيين، فإن سياسات حماس الداخلية أسهمت في تعميق الأزمات، سواء عبر فرض الضرائب الباهظة، أو التضييق على الحريات، أو استخدام موارد القطاع في مصالح سياسية ضيقة بدلًا من تحسين حياة السكان.
عائق أمام الوحدة الوطنية
أحد أكبر التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية اليوم هو الانقسام السياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة. فبدلًا من أن تكون غزة ركيزة لدعم المشروع الوطني الفلسطيني، أصبحت منطقة معزولة تدار بمنطق فصائلي بعيد عن التوافق الوطني. وقد أثبتت التجربة أن غياب الوحدة يضعف أي موقف فلسطيني سواء في المفاوضات أو في المواجهة مع الاحتلال، كما يعزز المبررات الإسرائيلية لاستمرار العدوان والحصار.
مصلحة الشعب فوق المصالح الحزبية
المصلحة العليا للشعب الفلسطيني تقتضي أن تتخلى جميع الفصائل عن الحسابات الضيقة، وأن تضع نصب أعينها هدف التحرر الوطني وتوفير حياة كريمة للمواطنين. بعد حرب نتنياهو الدامية , وأي طرف سياسي لا يستطيع تحسين أوضاع الناس أو توحيد الصفوف يجب أن يفسح المجال لغيره، لأن استمرار الوضع الحالي لا يخدم سوى الاحتلال الإسرائيلي الذي يستغل الانقسام لإضعاف الفلسطينيين.
لقد حان الوقت لإعادة النظر في شكل الحكم في غزة، ولابد أن تكون الأولوية لإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية. وإذا كانت حماس صادقة في نواياها تجاه الشعب الفلسطيني، فعليها أن تتخذ خطوة جريئة بالتنحي عن الحكم، لعدم اعطاء الذرائع لاسرائيل للعودة الى القتال والدمار وسفك الدماء البريئة , بإختصار فإن تنحى حماس في هذا الظرف المصيري سوف يكسبها احترام شعب فلسطين المكلوم ويعطيها تقديراً شعبياً واسعاً بانها غادرت الحكم من أجل مستقبل أفضل لغزة، وللقضية الفلسطينية ككل .