إعداد: فادية عمار
جزر التونغا أراض لها “إيقاع الحياة الخالدة”، فسواء رغبت في السباحة مع الحيتان الحدباء، أو أردت التمتع بالإبحار حول الجزيرة المزينة بالنخيل، أو كان هدفك مجرد الاسترخاء وعدم القيام بشيء على الإطلاق، فجزر التونغا هي المكان المثالي الذي يعدّ جنة على الأرض. ومملكة تونغا هي أرخبيل يضمّ 176 جزيرة متناثرة منها 52 جزيرة مأهولة فقط. وتمتدّ المملكة على مسافة نحو 800 كم من الشمال إلى الجنوب، وتقع في ثلث المسافة بين نيوزيلندا وهاواي.
المكان الذي يبدأ فيه الوقت
هنالك العديد من الأقاصيص عن عدم أهمية الوقت في الجزر الاستوائية، وعلى جزيرة التونغا بشكل خاص، وفي الواقع فإن هذه الأقاصيص صحيحة. سميت جزيرة التونغا من قبل مجلس السياحة بـ “المكان الذي يبدأ فيه الوقت “، وهو المكان الأمثل للتأمل في روعة شروق الشمس حيث تتميز هذه الجزيرة بموقع جغرافي على خط التاريخ الدولي.
ومن أهم الأحداث في جزر التونغا المتعلقة بالوقت هي أصوات أجراس الكنيسة، والتي غالباً ما تبدأ من الساعة 4:30 صباحاً، إضافة إلى صياح الديكة، والتي تبدو فخورة بأنها الجوقة الغنائية التي تدشن حلول يوم جديد، ليشكل بذلك إيقاعاً من الصياح الصاخب قبل الفجر، لكن جميع القضايا الأخرى غير المتعلقة بالوقت، لاتبدو مهمة في هذه الجنة الواقعة جنوب المحيط الهادئ.
الجزر الودودة
الأساس الذي تقوم عليه هذه الجزر منذ مئات السنين، هو مبدأ الحياة الودية الهادئة، حيث نجد أن معظم أهالي التونغا يعيشون حياة بسيطة وهائنة، تبدأ بمزارعهم الممتدة على مساحات شاسعة من الأرض، ومحاصيلهم الاستوائية، وصولاً إلى الكنيسة، وهذا مايشكل أساسيات الحياة التي يعتمد عليها سكان الجزيرة.
ومنذ لحظة وصولك الأولى إلى جزر التونغا، ترى العديد من الدلائل على اختلاف هذه الجزر عن غيرها من الجزر المعروفة، فمنذ البداية، سيلفت انتباهك الحصير المنسوح الذي يلتف حول أجساد سكانها، حيث يعرف هذا اللباس المحلي بالتوبينو، وهو يشبه الرداء العادي، لكنه مصنوع من الأوراق المجففة لشجر الباندانوس، إضافة إلى الابتسامة الكبيرة المتألقة للسكان المحليين، لدى ترحيبهم بالغرباء ترحيباً كبيراً.
عادات وتقاليد وطقوس غريبة
وعلى الرغم من أن حضارة العولمة بدأت تترك بصماتها على تلك البلد ذات الكثافة السكانية القليلة، والتي تصل إلى 100,000 شخص فقط، ولكن العادات والتقاليد مازالت موجودة لدى سكانها، حيث أن معظم المشاكل يتمّ حلها بطريقة تقليدية، بوجود أوعية الكافا، الشراب التقليدي المحلي. في أوائل العام 1800 وصلت الحملات التبشيرية إلى التونغا، والتي على ما يبدو، تركت أثراً كبيراً لدى سكانها، حيث أصبح معظم السكان المحليين يدينون بالديانة المسيحية، كما يمنع القانون الناس من العمل أيام الآحاد، حيث تقتصر النشاطات في هذا اليوم على الذهاب إلى الكنيسة، الأكل وشرب الكافا، النوم، ثم الذهاب إلى الكنيسة مرة أخرى، لذا فإن أفضل ما يمكن للغريب فعله هو الاندماج والمشاركة في طقوس هذا اليوم، حيث يصبح كل شيء داخل الجزيرة في حالة جمود تام اعتباراً من منتصف ليلة السبت ليمتد حتى منتصف ليلة الأحد. ولكن، وعلى الرغم من حالة الجمود التي تنتاب القرى، فإن المشي في الطرقات أيام الآحاد يبعث البهجة في النفس، خاصة مع انسياق الأنغام العذبة المتدفقة من جميع الكنائس المنتشرة، فغناء الحناجر التونغانية الرحبة تتخطى أسقف الكنائس، حتى إنك لتظن أن الملائكة أنفسهم هم صانعو هذا التدفق من الموسيقى الروحية الجميلة، لذلك يشكل التواجد في إحدى المهرجانات التونغانية فرصة جميلة لا يجب تفويتها، فالأكل والغناء والرقص أشياء عزيزة على قلب سكان التونغا، تمارس خلال كافة الاحتفالات المرحة.
تنوع وتميز
من أسهل الأشياء كسر الروتين الاعتيادي في حزر التونغا، فمن مجموع 170 جزيرة، نجد أن 36 منها فقط هي المأهولة بالسكان، ويحرص معظم المسافرين والسياح على الاتجاه شمالاً حيث تقع مجموعة الجزر المعروفة بـ “Vava’u”، التي تعتبر المركز الأساسي لجزر التونغا لمشاهدة الحيتان، استئجار اليخوت، وصيد الأسماك.
وخلال أيام الأسبوع، يمكن للزائر السباحة مع الحيتان الحدباء، ركوب الكاياك للتمتع بمنظر الدلافين، أو لمجرد الاسترخاء وقضاء بعض الوقت في كسل وخمول لذيذ.
ومن أفضل الوسائل لاستكشاف جزر الـ Vava’u استخدام اليخوت في التنقل، حيث تتوافر العديد من الشركات حول ميناء نيافو، تعرض يخوتاُ للإيجار، سواء كانت يخوتاً فارغة، أو مزودة بطاقم بحري كامل، وتوفر هذه اليخوت سكناً لشخصين أو حتى عشرة أشخاص لمدة زمنية ممتدة من يوم إلى عدة أسابيع.
سياحة بدائية
عند وصولك إلى مجموعة جزر الـ Vava’u، ستجد الـ “بلو لاغون”، أحد المنتجعات الرائعة الذي يقع في جزيرة فواتا، وستعود بذاكرتك إلى رائعة الكاتب دانيال ديفو “روبنسون كروزو”، التي تشع بسحر المكان وروعته. مدير المنتجع ألماني مغترب، عاش في تلك الجزر لمدة تزيد عن 25 عاماً، وهو من أفضل وأبرز الطهاة في الجزر، وخير دليل على ذلك اصطفاف اليخوت بكثافة بغية الحصول على طاولة في مطعمه المتواضع المطل على مياه المحيط.
وعلى الرغم من روعة المكان وسحره، فما زالت السياحة في جزر التونغو تعدّ بدائية، فأماكن الإقامة لاتزال تحفل بالبساطة، لكن السحر يكتمل مع أصوات تساقط جوز الهند على الأسطح، إضافة إلى طعم اللوبستر الشهي، والذي يجلب مباشرة من البحر، كل ذلك من المتع التي يستحيل الحصول عليها إلا في بقع محددة من الأرض، والطريقة بسيطة وسهلة، حيث يمكنك الهبوط من الطائرة وبعد ثلاثين دقيقة ستستمتع بالتواجد في جزيرة مرجانية استوائية.
السباحة مع الحيتان
هنالك العديد من المسافرين يخططون رحلاتهم لتتمحور حول مشاهدة حيتان التونغا، فالمحيط حول الجزيرة يعدّ حضانة للحيتان الحدباء، وفي الشتاء من كل عام تقوم هذه الحيتان بهجرتها السنوية من القطب المتجمد الشمالي إلى مياه الجزيرة الدافئة لتلد فيها، لتكون جزر التونغا المكان الثاني في العالم الذي يتيح لزائريه فرصة السباحة مع هذه الحيوانات العملاقة.
وعند جلوسك على ظهر القارب المتجه إلى مكان السباحة مع الحيتان، فمن الطبيعي أن تشكك في الحكمة التي تدفعك إلى السباحة مع حيوانات يصل حجمها إلى ما يقارب نصف مقطورة، لكن سرعان ما يتبدل شعور المرء من الخوف والرهبة إلى الهدوء والمتعة حين يدخل القارب منطقة المياه الصافية كقطع الكريستال، ويرى منظر الحوت الأم وابنها منزلقين على بعد أمتار قليلة.
الجنة الاستوائية
استكشاف “تونغا الحقيقية” هو دوماً شأن ممتع ويدعو للاسترخاء، فمعظم الجولات السياحية تكون بزيارة البيوت المحلية للسكان، حيث تستقبلك العائلات بجو من الترحيب الدافئ.
إن التونغا ليست بالمكان المناسب للذين ينشدون الرفاهية ذات الخمسة نجوم، وإن كانت لديك القدرة على إمضاء أسبوع كامل دون استخدام جهازك المحمول، فإن تلك الجزر هي المكان المناسب لك. أما بالنسبة للذين ينشدون البيئة البسيطة والتناغم الهادئ، فإن هذه الأرض ستكون جنة لهم. وتذكر، اترك ساعتك في الطائرة، فإنك لن تحتاج إليها في تلك الجنة الاستوائية.