بودروم، فادية عمار
عند هبوط طائرة الخطوط الجوية التركية في مطار استانبول، كانت الكآبة تُمثل أولى المشاعر التي انتابتني، فالسماء المتلبّدة بالغيوم السوداء تتوعد بأمطار ربيعية غزيرة، والنسمات الباردة تبعث القشعريرة في الجسد، مما ينذر برحلة تلجأ فيها إلى الاختباء من الأمطار، وتعود بخفّي حنين إلى الوطن، غير أن مواصلة الرحلة وهبوط الطائرة في مدينة بودروم، قلب كافة الموازين، وأعاد إلى روحي الحياة، فالخضرة الرائعة، والسماء الصافية الزرقاء، مياه البحر الهادئة والنسمات الربيعية المنعشة، كانت خير بداية لرحلة ممتعة ورائعة، تسعد الروح قبل الجسد، في رحلة استشفاء متكاملة.
بودروم المتألقة
كان الطريق من مطار بودروم باتجاه المنتجع، يحفل بأروع المناظر الطبيعية التي يمكن أن تخطر على بال البشر، فالجبال الخضراء تحمي الطريق من الجانب الأيسر بينما تمتد مياه بحر إيجة الرائعة على يمينه، تتناثر على صفحاتها آلاف الجزر الخضراء والمتنوّعة بين صغيرة وكبيرة، وتجوب خلجانها الصافية آلاف اليخوت. وتتزين جبال المدينة بالأبنية البيضاء ذات الهندسة المعمارية المتفردة، كشلالات ثلجية تمتد على السفوح في لوحة خلابة تضجّ بالحياة المثيرة، وهي تطل على البحر بمياهه الصافية لتداعب أمواجه الهادئة، مؤكدة قول الفيلسوف والشاعر التركي جودت شاكر “بدلاً من البحث عن النور في مكان آخر، تعال إلى بودروم لتعيش في النور الدائم”. استغرقت الرحلة إلى المنتجع قرابة الساعة، غير أن المناظر الرائعة كانت خير وسيلة إلهاء، ومرت الساعة كأنها دقائق متسارعة، فطرقات المدينة تحفل بالمفاجآت، فهي بلدة ريفية تجمع بين الحداثة والتقاليد التركية العريقة، يذهلك فيها التميز الرائع للبيوت البيضاء المؤلّفة من طابقين، والمنحدرة من الجبال لتنتشر على طرفي الطريق بين أحضان الحقول الخضراء وبساتين الحمضيات والزيتون وأشجار الليمون والمندرين التي تزينت بأجمل الزهور الملونة.
سان تروبيه تركيا
يطلق على مدينة بودروم اسم “لؤلؤة تركيا”، نظراً لوقوعها في المنطقة الجنوبية الغربية لتركيا على سواحل البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجة، حيث يحيط بالمدينة خليجان مائيان يخترقهما قصر سان بيير الشامخ. وتشبه بودروم مدينة سان تروبيه على شاطئ الريفيرا الفرنسية، حيث يمتلك فيها الكثير من مشاهير وأثرياء تركيا منازل يقصدونها صيفاً للسياحة والاصطياف، كما توفر لزوارها العديد من التسهيلات المتميزة مثل منطقة المشي في الجهة الشرقية من المدينة على امتداد الشواطئ الرائعة، ومرفأً للنزهات البحرية في المنطقة الغربية، يضمّ أفخر أنواع اليخوت الفخمة، إضافة إلى العديد من المنتجعات والفنادق والمتاجر والمطاعم الشهيرة، لذلك تعتبر مقصداً سياحياً مهماً، والوجهة الأولى لملايين السياح من كافة أرجاء العالم، إضافة إلى الأثرياء الراغبين في السياحة الفاخرة والمتميزة، كما يفخر الأتراك بقضاء وقتاً من إجازتهم في هذه المدينة الرائعة.
الإقامة المُترفة
عند التحضير للسفر إلى تركيا، كان هدفنا الأول يكمن في قضاء الإجازة بالسياحة والتسوق، إضافة إلى الاسترخاء بعيداً عن روتين الحياة اليومية. وعند وصولنا إلى منتجع “حدائق بابل” اكتشفنا أنه أحد الأماكن التي يتحقق فيها علاج الجسد والنفس معاً، حيث أثبت على أرض الواقع أن أفضل أنواع السياحة تكمن في وجودك داخل إحدى البقاع التي يختلط فيها الاستشفاء من أمراض الجسد مع الترويح عن النفس، فمهما تطوّرت العقاقير والعلاجات الطبية التقليدية، يظل للطبيعة تأثيرها الساحر والفعال، فالذهاب إلى بودروم لايتعلق فقط بزيارة الأماكن الأثرية المعروفة، التسوق، أو السهر حتى الصباح، وإنما في الجمع بين الأماكن الترفيهية والعلاجية معاً، والاستفادة من خيرات الطبيعة إلى أقصى الحدود. كانت الإقامة في منتجع حدائق بابل متعة لاتوصف، فهو منتجع مترف يتربع على مساحة تقارب 500 متراً مربعاً من السفوح الخضراء، في منطقة كاديكالي غرب بودروم، وينحدر نزولاً إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط ليقابل جزيرتي كوس وكاليمانوس اليونانيتين، الأمر الذي ساهم في إيجاد إطلالة خلابة لكافة الغرف والأجنحة على مياه البحر الصافية والحدائق الخضراء الشاسعة.
السياحة العلاجية وكانت المفاجأة كبيرة حيث عمد القائمون على المنتجع بتطوير فلسفة ترفيهية علاجية خاصة به، تتمثل في توفير فرص سياحية استثنائية تبهج الحواس وتنعش الروح، وتعيد الحيوية المفعمة للجسم، فالبيئة الأصيلة والهادئة داخل المنتجع تخلق جواً متميزاً من الراحة والانتعاش، داخل واحة من السكينة تقع وسط الخضرة والمياه، إلى جانب خطة علاجية متكاملة تتضمن برامج خاصة لتخفيف الوزن من خلال توفير ثلاث وجبات يومية من أشهى المأكولات الصحية بإشراف طهاة متخصصين في الغذاء الصحي، جنباً إلى جنب مع برنامج رياضي متكامل، يشتمل على المشي ضمن حدائق المنتجع وخارجها، ممارسة اليوغا لتعزيز التوازن والقوام والقوة والمرونة إضافة إلى تخفيف التوتر، السباحة في البرك الداخلية والخارجية، إضافة إلى الخضوع لجلسات العلاج اليومية داخل بركة ملحية ذات حرارة مرتفعة لمعالجة كافة أمراض العظام، فضلاً عن استخدام الحمام التركي، والعلاج بالمساج، بإشراف أطباء متخصصون وطاقم من الممرضات، مع توفير خدمات الإقامة الفخمة والمترفة، حيث وجدنا أنفسنا نرتع في ملاذ يجدد معنى الحياة ويطيلها، بعيداً عن خضم العالم الخارجي المتسارع الحركة. ولا تقتصر خدمات المنتجع على العلاج والإقامة، فهناك العديد من الأنشطة والفعاليات الرائعة، مثل فرصة الاستمتاع بالعديد من الأنشطة والرياضات المائية على شواطئ البحر الرائعة، الذهاب في رحلة بحرية مترفة إلى الجزر القريبة، التنزه مشياً على الأقدام في المناطق المحيطة، أو لمجرد الجلوس والاسترخاء على إحدى الشرفات لمراقبة البحر والخضرة الساحرة.