رحلة قصيرة مليئة بالمفاجآت الى بلغاريا قصر بالتشيك تحفة معمارية على البحر الاسود حديقة نباتية نادرة تحيط بها الشلالات وكروم العنب

أنت الآن تشاهد رحلة قصيرة مليئة بالمفاجآت الى بلغاريا قصر بالتشيك تحفة معمارية على البحر الاسود حديقة نباتية نادرة تحيط بها الشلالات وكروم العنب

بلغاريا – د.جمال المجايدة : قادتني الرحلة في شرق اوروبا الى زيارة بلغاريا عبر الحدود الرومانية البلغارية , حيث وصلنا بالسيارة الي مدينة كافارنا ليلاً واقمنا في فندق فاخر بأحد اندية الغولف المطلة على البحر الاسود .

تناولنا الافطار على شاطئ البحر وسط زقزقة العصافير ونسمات الهواء الباردة صباحاً مع اطلالة لاتنسى على مشاهد المنحدرات الجبلية الخضراء على طول الشاطئ الهادئ الجميل .

بعد وجبة الافطار الشهية المكونة من اجبان الماعز والطماطم الحلوة والبطيخ والخوخ والمشمس وجولة في ملاعب الغولف الراقية , توجهنا لزيارة قصر بالتشيك الذي كانت تقطنة ملكة رومانيا السابقة ماري ويقع في الجزء الشمالي الشرقي من ساحل البحر ، على بعد 40 كم من مدينة فارنا و 20 كم من مدينة كافارنا.

انتظرنا على المدخل غير المعد جيدا لزيارة القصر قرابة النصف ساعة لشراء تذاكر الدخول وكان واضحاً الاهمال في طريقة دخول وخروج سيارات الزوار وبيع التذاكر لكننا لم ندم على الانتظار , فالقصر يستحق الزيارة .

معلم سياحي

يعتبر قصر بلشيك، المعلم السياحي والتاريخي الأبرز في المدينة البلغارية المطلة على البحر الاسود ,  وقد بُني عام 1926، تحت إشراف المهندسين الإيطاليين. وهي استدعت مهندسين زراعيين من سويسرا خصيصاً لتصميم حديقة القصر النباتية الأكبر من نوعها، في تلك المنطقة .

يطلّ القصر على شاطئ البحر الأسود، حيث يمتد رصيف جميل وقديم، يطالع القصر الزوار والمتنزهين ببرج أخذ شكل مئذنة تراثية، كما تحوّلت حديقة القصر إلى متنزّه أهمّ من القصر نفسه تستقطب الزوار من رومانيا والدول المجاورة .

القصر بُني بطريقة معقّدة، تجعلك لا تتوقّع ما ستجده مع كلّ خطوة تخطوها فيه. فهو كالمتاهة الجميلة، تعثر داخلها على شلال ونهر وحمام تركي، وعرش ومرايا صدئة والكثير من أنواع نبات الصبّار،  

في ذلك القصر البديع ، جلسنا على السور الصخري الصغير قرب الشلال الذي يخترق أرجاء القصر، بين مئات أنواع الزهور والنباتات، وفي كلّ زاوية من الحديقة النباتية المذهلة بفصائلها النباتية المختلفة، التي تختصر كلّ ما ينبت على ساحل البحر الأسود الشمالي والغربي، كما أمرت بانية القصر وسيّدته، ماري ملكة رومانيا، التي أرادته مصيفاً متميّزاً لها، ولكنها عاشت فيه سنوات عزلها ومرضها، وآخر أيّام عمرها.

قد تكون القصّة محزنة، رغم شقّها المضيء، فالملكة ماري (1875- 1938) ابنة الأمير ألفريد دوق إيدينبورغ، كانت ذكية بما فيه الكفاية لتحول دون ذوبان قصّتها في بحور النسيان، ولتخلّد اسمها، حين طلبت أن تكون حديقة القصر أهمّ من القصر نفسه. أرادتها حديقة مصغّرة عن الطبيعة البرية لساحل البحر الأسود، الذي سحرها حتى قبل أن تصبح عام 1893 زوجة فرديناند الأوّل ملك رومانيا، والحاكمة الفعلية للمملكة الرومانية.

وسط الطبيعة

بُني القصر وحديقته وسط كروم العنب وسهول دوّار الشمس والطواحين، التي اشترتها الملكة من المزارعين البلغاريين. وقد كانت المساحات حول القصر شاسعة، مما يجعل من المستبعد أن تكون النهاية المحزنة للملكة مرتبطة بنقمة المزارعين أولئك، هي التي خلّدت اسم مدينتهم، وجعلتها حتى اليوم مقصداً سياحياً مهمّاً، كما أنقذت الكثير من الثروة النباتية التي أزهرت في تربتهم عبر التاريخ.

عام 1930، عاد ابن الملكة الذي سبق أن تخلّى عن الحكم، لينتزعه من ابنه والوصيّة عليه، أي الملكة ماري، فلجأت الأخيرة إلى مقرّ إقامتها الصيفية، ليصبح ملاذ عزلتها ومرضها معاً. وهي، رغم تنقّلها بين أماكن أخرى في المملكة الرومانية والمملكة المتحدة، كانت دائماً تعود إلى قصر بلشيك وكأنّه بيتها الوحيد.

حديقة نباتية رسمية

الحديقة صارت اليوم ثاني أكبر حديقة نباتية في أوروبا بعد حديقة موناكو النباتية ,تضمّ الحديقة اليوم أكثر من ألفيّ فصيل نباتي، موزّعة على مساحة 65 ألف متر مربع، وهي ثاني أكبر حديقة من نوعها في أوروبا، بعد حديقة موناكو النباتية.تحوّل القصر إلى متحف، وحديقته إلى متنزّه، لا يخلوان من آثار ومنحوتات وتماثيل تعود إلى عصور تاريخية مختلفة، تسرد تاريخ الحضارات التي تعاقبت على بلغاريا والساحل الشمالي والغربي للبحر الأسود. وفي جوانب متعدّدة من الحديقة والقصر يمكننا أن نعثر على جرّة حفرت عليها كلمات عربية، ومخطوط تركي، ومبخرة شرقية، وسجادة قوقازية، وتمثال نصفي إغريقي، ونافورة رومانية… وقد جرى ترميم ملحقات القصر لتستقبل الزوّار والسائحين، فتحوّلت بعض الطواحين إلى مطاعم ومقاهٍ، ومخازن المحاصيل صارت غرفاً فندقية جمعت الأصالة بالرفاهية المعاصرة.

تاريخ عريق

حسب الروايات التاريخية فقد تأسست المدينة منذ 26 قرنًا من قبل مستوطنين يونانيين يُدعون كرونز. في القرن السادس قبل الميلاد ، سميت المدينة ديونيسيوبوليس على اسم إله الخمر والفرح اليوناني ديونيسوس. في القرن الرابع قبل الميلاد ، كانت ديونيسيوبوليس مركزًا اقتصاديًا مهمًا للغاية. يتضح هذا من خلال العملات المعدنية التي تم العثور عليها ، والتي اخترعتها المدينة نفسها. نقش عليها اسم الإله ديونيسوس.

في القرن الأول الميلادي ، أصبحت المدينة جزءًا من الإمبراطورية الرومانية ووصلت إلى أعظم ازدهار في القرنين الثاني والثالث. بعد انهيار الإمبراطورية الرومانية عام 395 ، تأثر تطور المدينة بشكل كبير بقرب القسطنطينية ، عاصمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية. بعد ذلك ، أصبحت المستوطنة مركزًا إداريًا وميناءًا مهمًا.