مأدبة ( الاردن ) – د. جمال المجايدة /
ركبنا السيارة من وسط عمان الي مدينة مأدبا التي اشتقت اسمها من سورة / المائدة/ الوارد ذكرها في القرأن الكريم , وصلنا الي تلك المدينة التاريخية العتيقة العريقة ظهرا , لرؤية كنائسها ومتاحفها التاريخية .
فمدينة مأدبا تقع في منطقة جبلية تطل على وادي الأردن والبحرالميت الذي ينخفض عن سطح الأرض 400 م (المنطقة الأكثر إنخفاضاً في العالم) وتبعد “مأدبا” مسافة 33 كلم عن “عمان”.
تُسمى بمدينة الفسيفساء لوفرة هذا الفن في الكنائس القديمة الموزعة في أرجاء المنطقة حيت مرت شعوب عديدة منذ وجودها 1160-1200 ق.م.
وهناك في احد المتاحف شاركنا في صناعة اكبر لوحة سياحية مصنوعة من الفسيفساء في العالم بوضع قطع من هذه المادة الصخرية علي اللوحة التي يشارك في صناعتها الملايين من زوار مأدبا علي مدار العام .
تشير الوثائق التاريخية الي انه في القرن الثاني عشر ق.م. أستولى عليها الأموريون وأحرقوها وعاش الأنباط فيها طيلة فترة الحكم الروماني الذي وفر لها إزدهاراً كبيراً بسبب موقعها على الطريق التجاري الممتد من بصرى الشام الى البحر الأحمر. ووصل إزدهارها التجاري الى سك نقود خاصة بها يحمل قسم منها إسمها وقسم آخر إسم الهة مأدبا “عشتاروت”.
في العصر البيزنطي إنتشرت فيها المسيحية وشُيدت الكنائس. في سنة 636 م. خسر “هرقل” معركة اليرموك وسيطر العرب على مأدبا.
ضربتها الزلازل على مراحل فكان الأول في عام 746 م. وفي القرن الحادي عشر تعاقبت الهزات الأرضية عليها بكثافة مما دفع أهلها الى هجرتها خاصة بعد حدوث آخر هزة أرضية التي استمرت أربعين يوماً بصورة متتالية.
ظل قسم من آثارها متصدعاً ومدمراً أما القسم الآخر فبقي مطموراً في الأرض حتى حكم العثمانيون المنطقة.
مدينة الفسيفساء
وقال لنا مدير المتحف ان مادبا تعتبر مدينة الفسيفساء وان ازدهار فن الفسيفساء في مادبا ومنطقتها قد نشأ عن وجود مدرسة فنية كانت مادبا مركزها وقد عملت عدة قرون وانتجت ما انتجته مادبا من فن الفسيفساء الموزايك في مادبا ونبو والمخيط وماعين وفيلادلفيا الصويفية وجرش وام الرصاص وسياغة والبترا وام الجمال ورحاب والحصن وبيت راس والربة والكرك وزي والسلط وام قيس وطبقة فحل وياجوز والحميمة وغيرها من المواقع والاماكن الاثرية التي كانت مدرسة مادبا الفسيفسائية تصدر الفسيفساء الى كل انحاء البلاد.
لقد بلغت الفسيفساء اوج ازدهارها في القرون الخامس والسادس والسابع الميلادية واما اعضاء مدرسة مادبا الفسيفسائية وصناعها وفنانيها ومبدعيها فكانوا من المواطنين من اهل البلاد المحليين ولمدرسة مادبا طابعا خاصا ومميزا في فن الفسيفساء وصناعتها كتمثيل الحيوانات والنباتات معا وكتصوير الاسد مع الثور وهو رمز السلام واما المواضيع التي كانت تصور على الارضيات الفسيفسائية فكانت تشتمل على تصوير الكائنات البشرية والحيوانية والطيور والنباتات وتصوير مصنوعات الانسان كالسلال والفؤوس والسيوف وتصوير مشاهد العمل اليومية كاقتطاف العنب والحصاد والفصول الاربعة.
وقد تأسست في مادبا منذ حوالي عشرين عاما مدرسة لتعليم فن وصناعة الفسيفساء احياء لمدرسة مادبا الفسيفسائية التي كانت مشهورة في العصر البيزنطي ما نشاهده من حضارة هو القليل من الكثير حيث كانت مادبا كلها جميع منازلها ومبانيها القديمة وقد بلطت بارضيات فسيفسائية رائعة الجمال ولا يزال بعضاً من هذه البيوت موجودة تدل على عظمة فن الفسيفساء في مادبا .
شاهدنا في مأدبا عدة أماكن مسيحية مقدسة وأثرية، من أبرز معالمها :
“كنيسة مار جرجس” للروم الأرثوذكس التي تعتبر من أهم الكنائس العشر الموجودة في المنطقة
“جبل نيبو” أو “نبو” حيث صعد النبي موسى ليرى “أرض كنعان” ويمضي آخر سنوات حياته.
“قلعة مكاور” القلعة التي قُطِع فيها رأس يوحنا المعمدان.
“السياغة” وتعني المحبسة وعُثر هناك على ثلاث كنائس تزينها لوحات فسيفسائية كثيرة.
“الدير” وهو كناية عن صومعة للرهبان. تشير بعض الآثار فيه الى انه كان مضافة للسياح وللحجاج.
فوق قمة الجبل
صعدنا عبر طريق ملتوي محاط باشجار الصنوبر الي اعلي قمة جبل نبو الذي يقع على بعد عشرة كيلو مترات إلى الغرب من بلدة مادبا , ووقفنا عند مقام النبي موسي عليه السلام .
وتجولنا في المتحف المجاور للكنيسة وخرجنا الي محيطها لرؤية مشاهد طالما حلمنا بها او سمعنا عنها .
فمنطقة جبل نبو على طرف الهضبة توفر مناظر مدهشة للبحر الميت ووادي الأردن.
وفي الأيام الصافية يستطيع المرء أن يرى قبة مسجد الصخرة وأبراج الكنائس في مدينة القدس. وهناك من يعتقد أن النبي موسى عليه السلام دُفن في جبل نبو. وعلى قمة ذلك الجبل بناء أنشأه رهبان الفرنسيسكان لحماية لوحات الفسيفساء الرائعة، التي تعود إلى القرنين الرابع والسادس بعد الميلاد.
جبل نيبو من المواقع الهامة في الاردن من حيث المكانة التاريخية والدينية، إذ يفترض ان يكون النبي موسى عليه السلام قد مات ودفن فيه، حيث توجد كنيسة صغيرة في هذا الموقع بناها المسيحيون الأوائل عام (393) بعد الميلاد، وقد توسع هذا المكان تدريجياً، ففي القرن السابع اصبح مجمعاً بيزنطياً واسعاً يأتي اليه الحجاج من بعيد عبر القدس مارين عبر أريحا، وعيون موسى ثم جبل نيبو انتهاءً بالينابيع الحارة الطبيعية في حمامات ماعين.
والزائر لجبل نيبو العائد بناؤه للقرن الرابع يجد أنه لم يبق منه سوى كتل من حجر الكلس (خارج المبنى الحالي) مع شيء من الأرضية الفسيفسائية، ومن أبرز الأماكن الموجودة هناك »صليب« يوجد بالقرب من مذبح الكنيسة وهو المكان الذي كانت تحيا فيه ذكرى وفاة النبي موسى عليه السلام.
منذ سنة 1933 والمكان خاضع لعدة تنقيبات وحفريات من قبل منظمة الرعاية الفرنسيسكانية للاراضي المقدسة.
اما الأرضية الفسيفسائية الأكثر جمالاً فقد احتفظ بها بيت المعمودية القديم، الذي تم بناؤه عام (531) ميلادي حيث يفتتن الزائر بالتصاميم الأخاذة التي تصور الصيد والمناظر الريفية وعدداً كبيراً من حيوانات غريبة الشكل توحي بالأسود والنمور والحمار الوحشي والثور ذي الأسنام والجمال وغيرها.
ان معظم الفسيفساء تعود للجناح المركزي (للباسيقليا) وهي تعرض على جدران المبنى الحديث الذي شيد لوقاية الحرم. ويأوي ديراً حديثاً صغيراً اليوم مجموعة من الفرنسيسكان وفريقاً من الاخصائيين الآثاريين.
ان مجرد الوقوف على جبل نيبو على المنصة امام الكنيسة يجعل الزائر قادراً ان يرى نفس المنظر المثير عبر الشريط الأخضر لوادي الاردن والبحر الميت اذ يمكن مشاهدة سقوف بيوت القدس وبيت لحم، وعلى مقربة من هذا المكان يمكن مشاهدة النصب التذكاري البرونزي للافعى الملفوفة على الصليب، ويمثل هذا النصب الافعى التي رفعها موسى في الصحراء.
التسمية والتاريخ
نبا هو إله التجارة عند البابليين. وتذكر مسلة ملك مؤاب “ميشع” مدينة نبو والحروب التي دارت على ذلك الجبل، ومنذ ذلك الوقت هجرت المدينة وفي القرن الرابع عندما وصلتها قبيلة بدوية مسيحية بنت فيها كنيسة وعادت المدينة وازدهرت في القرن السادس.
اسم المدينة مذكور في التوراة هكذا: «اصعد إلى جبل عباريم، هذا جبل نبو الذي في أرض موآب الذي قباله أريحا».
يعتقد المسيحيون أن نبي الله موسى وقف على جبل نبو مع قومه ورأى الأرض الموعودة التي لم يصلها وأنه توفي ودفن عليه السلام في جبل نبو. على قمة الجبل شيدت كنيسة إيوانية الشكل أنشأها رهبان الفرنسيسكان بين القرنين الرابع والسادس بعد الميلاد وفيها لوحات من الفسيفساء. بالرغم من وجود اعتقاد أن قبر النبي موسى موجود فيها إلا أن أيا من علماء الآثار لم يتمكن من العثور عليه وبالتالي فلا يوجد أي تأكيد على موقعه أو وجوده.