عمان – د. جمال المجايدة : خلال جولتنا في الاردن التاريخية توجهنا الي قرية الرقيم في الضواحي الشرقية لعمان لزيارة / كهف أهل الكهف / المذكورة قصتهم في القرآن الكريم، ويقع بعد 7 كيلو مترات شرق العاصمة الأردنية , واكتشف هذا الكهف الاسطوري عام 1963م على يد عالم الآثار الأردني رفيق وفا الدجاني.
وفي داخل الكهف الذي يزوره سنويا نحو 200 الف شخص , شاهدنا سبعة قبور بيزنطية يعتقد أنها تعود لما يزيد على 2200 عام مضت، وتضم تلك الأماكن الأثرية أيضا موقع مسجد أثري.
وتشير السجلات التاريخية إلى أن عمان هي موقع أهل الكهف وتنقل شهادات بذلك عن رحالة عرب كبار ومفكرين عبر التاريخ من بينهم ابن كثير والمقدسي وكُثَير عزة وغيرهم.
ورغم اختلاف الروايات في تحديد موقع الكهف فإن معظم المفسرين والمؤرخين والجغرافيين أمثال المقدسي وياقوت الحموي والواقدي والقزويني والقرماني ودراسات خبراء الآثار الأردنيين وغيرهم , أشاروا إلى أن قرية الرقيم هي موقع كهف أهل الكهف، وأن الكهف الذي في الرقيم هو الكهف المقصود في قصة أهل الكهف التي ورد ذكرها في القرآن الكريم .
وتشير الروايات والقصص الدينية والتاريخية إلى أن أهل الكهف مجموعة من الشباب (الفتية) من أبناء ملوك وسادة الروم الذين كانوا من جند الملك البيزنطي «دقيانوس» الذي تولى الحكم بين عام 249م و251م، قد عاشوا في بلد يحكمه ذلك الملك الطاغية إذ كان يأمر بقتل أو اضطهاد كل من لا يأتمر بأمره أو من لا يعبد ما أمر به هو أن يعبد، فالتقى الفتية السبعة على فكرة واحدة هي «الإيمان بوحدانية الله» فصاروا يداً واحدةً وإخوان صدقٍ، منكرين الشرك بالله ومعلنين عقيدتهم جهراً «إنهم فتيةٌ آمنوا بربهم وزدناهم هدى» وكانوا في قومٍ يعبدون الأصنام والطواغيت آنذاك من دون الله «هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة».
ونتيجة للطغيان والاضطهاد والتهديد، الذي مارسه «دقيانوس» عليهم وعلى غيرهم، فقد هرب أولئك الفتية فارين بدينهم للمحافظة على إيمانهم بالله وتوحيده، مصطحبين كلب أحد الرعاة ليحرسهم «وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد» فوجدوا كهفاً يقع ضمن مقبرةٍ بيزنطيةٍ، فاتخذوا منه مرقداً لهم «إذ أوى الفتية إلى الكهف» وناموا فيه 309 أعوام «فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا» و «ولبثوا في كهفهم ثلاث مئة سنين وازدادوا تسعا» إلى أن تم معرفة مكانهم أثناء ولاية الملك «ثيودوسيوس الثاني» الذي حكم بين عام 408م و450م، فقام بزيارتهم في الكهف وسلم عليهم وعانقهم، وتشير الروايات إلى أن خروجهم من الكهف كان عام 447م ثم ماتوا بعد فترة.
ويتكون الكهف الذي امضينا داخله قرابة 15 دقيقة , من مدخل ذي فجوةٍ اتجاهها جنوب غرب، وقاعة مركزية لها ثلاثة محاريب مسقوفة بعقود رملية، بها سبعة مدافن حجرية (قبور) كما يضم الكهف أعمدة منحوتة من الصخر تزين واجهة القبور، وزخارف نباتية ورسومات هندسية ونقوشا، وفيه أيضا مجموعة من بقايا عظام تم تجميعها داخل إحدى الكوّات، كما يوجد في محيط الكهف مسجدان قديمان يعودان للفترة الأموية .
والكهف عبارة عن حجرتين، حجرة الدفن وفيها ستة قبور وحجرة ثانية هي حجرة الفجوة أو الفتحة المتصلة في السماء.
وكشفت اعمال التحريات عن وجود هذا الكهف المحفور في الصخر الكلسي والذي يوجد داخله قطع حجرية مبنية وهذا يعني انه استخدم اسلوبين في بناء الكهف، بناء الحجارة المزخرفة او حفر الصخر الكلسي الصلب .
لقد اتاحت لنا الجولة داخل الكهف بصحبة امام مسجد كهف اهل الكهف وبعد صلاة الجمعة التعرف الي جغرافية الكهف و انطباقه على الآية القرآنية (وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين)، يعني أن شروق الشمس يأخذ يمين الكهف (وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال)، هذا يعني أن بوابة الكهف قبلية، بحيث انه في الشروق تكون ذات اليمين وفي الغروب تكون على يسار الكهف .
وموضع العبرة في سورة “الكهف” أن الله سبحانه وتعالى قادر على إحياء البشر بعد الموت وهذا هو بيت القصيد بغض النظر عن الزمان والمكان وما يهمنا أنهم سبعة وثامنهم كلبهم وناموا (309) سنوات والعبرة وصلت، بقي ان تعلم عزيزي القارئ ان كهف الرقيم هو عبارة عن كهف ضمن سلسلة من الكهوف بمنطقة كانت تعتبر في العصر الروماني أي ما يعادل القرن الأول والثاني الميلادي أماكن للدفن. وكان القانون الروماني يمنع الدفن داخل المدن وبالتالي كان مسموحا به خارج المدن وعليه فإن كهف الرقيم واحد من هذه المدافن الرومانية القديمة التي استخدموها .