عجلون (الاردن) . د.جمال المجايدة : في طريق عودتنا من مدينة الرمثا الحدودية مع سوريا حيث كنا في ضيافة الإعلامي يوسف الزعبي , وعبر الدروب الخضراء والاودية الملتوية في احضان الجبال المزدانة بالصنوبر مرورا بالمدينة الجميلة اربد , توقفنا في عجلون !
تساءل كل من معي : ماذا يمكن ان نشاهد في عجلون ؟ قلت انها مدينة التاريخ والطبيعة الجميلة , لونظرتم من اعلي الجبل لشاهدتم المدينة التي تعتبر من أجمل مدن الاردن .
وتتميز عجلون بالطبيعة الجبلية المتباينة الارتفاع وبتضاريسها الخلابة ومخزونها من الاشجار الحرجية الكثيفة وغابات اللزاب والسنديان وكذلك الطقس المعتدل صيفاً.
لقد تجولت برفقة العائلة في ملتقى الحرفيين للتراث والثقافة وهو المتحف الوحيد المعني بصناعة الحرف اليدوية في عجلون , وكانت الجولة بحضور مؤسس الملتقى , سامر فريحات وهو عبارة عن مقر قديم للوالي العثماني يرجع تاريخه الى اكثر من 400 عام , قام سامر بترميمه وتحويله الى متحف الا انه يعاني قلة الزوار وعدم الاهتمام من وكالات السفر والسياحة التي تنظم الرحلات السياحية للزوار .
ويضم التحف المصنوعة من الاخشاب مثل ” المهباج ” التقليدي والسلال المصنوعة من اغصان الموز والصابون المصنوع من الزيت الروماني – حيث توجد هناك أشجار زيتون من العصر الروماني يزيد عمرها على الفي عام – , إضافة الي الملابس التقليدية ومنتجات العسل الطبيعي من الكهوف الجبلية والاعشاب الطبيعة من الطبيعة الخصبة في جبال عجلون .
واصلنا السير برفقة يوسف الزعبي وسامر فريحات والعائلة وسط غابات الصنوبر وبساتين الزيتون وكروم العنب والتين الاسطورية منتشرة علي مد البصر لتضفي علي المكان مشهد ساحر لامثيل له وبعد استراحة قصيرة , توجهنا صوب القلعة الشامخة اعلي الجبل صعدنا الي قمة جبل يرتفع 1050 متر عن سطح البحر حيث ترقد قلعة عجلون من اعلي القمة شاهدنا جبال فلسطين وضفاف البحر الميت .
قلعة عجلون أو كما يسميها البعض ( قلعة صلاح الدين ) أو ( قلعة الربض )
تم بناؤها من قبل المسلمين في 1184-1185 بمثابة حصن عسكري، لحماية المنطقة من القوات الغازية الصليبية ولحماية الطرق التجارية للمسلمين والحفاظ على خطوط المواصلات وطرق الحج بين بلاد الشام والحجاز .
توضح اللوحات الارشادية المعلقة علي المدخل انه , تم بناء القلعة بأمر من ألامير عز الدين أسامة ، وهو ابن شقيق صلاح الدين الأيوبي القائد الايوبي (صلاح الدين)،
وفي الحقيقة ان القعلة تعتبر مثال رائع للعمارة العربية والإسلامية اذ انها مشيدة على رأس جبل شامخ , على شكل شبه مربع وفيها أربع أبراج كل برج يتكون من طابقين كما انها مبنية على احدى جبال عجلون الشامخة التي تطل على فلسطين الحبيبه ويمكن رؤية أجمل الصور وأروع المناظر لجبال عجلون عند الوقوف على أحدى أبراجها.
قلعة صلاح الدين
من الواضح ان قلعة صلاح الدين تعتبر احد المعالم الاثرية المهمة في الاردن وتستقطب سنويا حوالي 140 الف سائح 70 في المئة منهم من دول الخليج العربي.
ويقال ان القلعة اشتقت اسم الربض من موقعها كونها “تربض” على ظهر تل شاهق الارتفاع عرف باسم جبل عوف نسبة الى بني عوف الذين أقامت عشيرة منهم في الجبل أيام الفاطميين واستمدت القلعة اسمها الثاني قلعة (صلاح الدين) من القائد الاسلامي التاريخي صلاح الدين الأيوبي الذي اتخذها نقطة انطلاق لجيوشه المتوجهة صوب مدينة القدس.
ووفق المصادر التاريخية الموثقة شيد القلعة التي ترتفع 1023 مترا عن سطح البحر القائد الأيوبي عز الدين أسامة بن منقذ أحد القادة البارزين الذين خاضوا الحروب الى جانب القائد صلاح الدين الأيوبي عام 1148 الذي اتخذها قاعدة في حملته العسكرية لطرد الصليبيين في وجه قلعة بيلفوار التي شيدها الصليبيون قرب بحيرة طبريا في فلسطين وذلك بسبب موقع قلعة الربض الاستراتيجي لسيطرتها على طرق المواصلات بين سورية وجنوب الأردن.
وكان الهدف من اقامة قلعة صلاح الدين في هذه المنطقة الجبلية المطلة من جميع الجهات حماية المنطقة من الزحف الصليبي والحفاظ على خطوط المواصلات وطرق الحج بين الشام والحجاز لأنها تشرف على وادي الأردن وسهول حوران في الشمال ونظرا لموقعها المرتفع فقد استعملت عبر تاريخها مركزا للحمام الزاجل ومنارة لنقل الأخبار والبريد من حدود الفرات الى القاهرة.
ان للقلعة شكلا هندسيا مربعا ولها أربعة أبراج يتكون كل منها من طابقين وأضيف برجان يقعان الى يمين المدخل الحالي بعد معركة حطين.
كما ان الخندق المحيط بالقلعة حفر ليكون خطا دفاعيا ويقع خزان مياه كبير على يسار المدخل وهناك خمسة مخازن أخرى للمياه داخل القلعة التي تتنوع فيها الأبنية الداخلية والردهات والغرف. – وتضم القلعة قاعات مزودة بخدمات متكاملة لها نوافذ يؤكد المسؤول السياحي الأردني أنها كانت تغلق بحجارة سهلة التحريك في أيام الحرب وتزال منها النوافذ أوقات السلم لدخول الشمس والهواء الى داخل القلعة التي تتميز حجارتها بأنها خشنة وضخمة .
وشهدت القلعة العديد من المراحل التاريخية اللاحقة اذ جرى توسيعها عام 1214 بعد وفاة القائد عز الدين بن أسامة بن منقذ ببناء البرج الجنوبي والبوابة التي زينت بنقوش بارزة.
وفي عام 1260 دمر المغول القلعة الى حد كبير لكن السلطان المملوكي الظاهر بيبرس أعاد بناءها تقريبا وفي العهد العثماني القرن ال 17 كانت تتمركز في قلعة صلاح الدين (الربض) حامية من 50 جنديا.
وهناك أهمية كبيرة للقلعة في الذاكرة الاسلامية فمن قلعة عجلون هزم الناصر صلاح الدين الأيوبي جيوش الصليبين بحروب استمرت ثمانية أعوام واجه خلالها22 ملكا أوروبيا ومنهم فريدريك الالماني وريتشارد قلب الأسد الانجليزي خاض ضدهم 74 معركة وحرر 50 مدينة وقلعة قبل أن يهاجمه الموت عن 57 عاما.
وقد سميت قلعة عجلون بقلعة “ابن فريح” أيام العثمانيين إشارة إلى قبيلة الفريحات التي حكمت تلك المنطقة لمئات السنين في ذلك الوقت .
كما ان هناك أثرا لقلعة عجلون في التطور الحضري للمكان الذي توسع عمرانيا في العهدين الأيوبي والمملوكي حيث انتشرت الأسواق وجذبت الكثير من العشائر العربية التي استقرت في مرتفعاتها .
تضم مدينة عجلون اضافة الي القلعة حوالي 200 موقع أثري وتاريخي تتميز بأنها مصيف الأردن لجمالها الطبيعي وغاباتها وطقسها الصيفي الجميل ووفرة انتاجها من الزيتون والفواكه والخضار المتنوعة .
السياحة الخليجية للمدينة تأتي في المرتبة الأولى وتشكل 70 في المئة من مجموع السائحين الذين يزورون المدينة سنويا وعددهم حوالي 140 ألفا حيث أن السياحة الخليجية تزداد في فصل الصيف.
وتمتاز عجلون بأنها واحدة من المدن الأردنية التي تخلو أراضيها من الصحراء وتكسو الأشجار جبالها التي ترتفع أكثر من ألف متر وكذلك الثلج شتاء كل عام.