بول هوكينوس
في عام 2000، قبل تسارع أزمة المناخ، وتحول الصيف إلى فترات صعبة تسجل درجات حرارة قياسية الارتفاع، أجرت مدينة ميونيخ عملية ترميم شاملة لنهر إيزار الذي يتدفق من جبال الألب عبر وسط المدينة، وصولاً إلى نهر الدانوب.
واشتمل المسعى الذي بلغت تكلفته 38 مليون دولار على مدار 11 عاماً على تنظيف مياه إيزار، وتوسيع سهولها الفيضية، وتعديل ضفافه لاستيعاب ذوبان الثلوج في الربيع. وكان الهدف من الترميم خدمة الأحياء السكنية المعرضة للتضرر من الفيضانات، فضلاً عن حماية النباتات والحيوانات بالنهر.
لكن النهر أصبح اليوم أيضاً مكاناً عاماً يسهل الوصول إليه ويوفر ملاذاً بعيداً عن الحرارة. وقال صديق يسكن في شقة يسبح هناك بانتظام: «ليس لدي شرفة، ليس لدي حديقة، لكن لدي نهر إيزار». ويستحق سكان الحضر في كل مكان الفرصة نفسها.
وإذا استثمرت المدن في جميع أنحاء العالم في تنظيف مجاريها المائية، فإنها ستخلق شريان حياة حيوياً لجعل الأشهر الأكثر سخونة أكثر احتمالاً في البيئات التي تضررت بشدة من الاحتباس الحراري. وتمتص الطرق والأسطح المعبدة الحرارة، وتحاصرها المباني والشوارع الضيقة، مما يعرض سكان المدن للخطر أكثر من سكان الريف. والأنهار الصحية هي مجرد نوع من «البنية التحتية الخضراء» التي تحتاجها المدن وهي أنظمة بيئية تعزز بشكل كبير جودة الحياة الحضرية.
وكثير من الأنهار في الحضر غير آمنة للسباحة لأنها تلوثت بأشكال لا تعد ولا تحصى. وأحد الأسباب هو تسرب السموم من كل شيء، من المبيدات الحشرية إلى القمامة التي تجرفها الأمطار الغزيرة من فوق أسطح المنازل ومواقف السيارات والمروج وشوارع المدينة. وفي أماكن كثيرة، تضخ المزارع والمصانع المخصبات والمخلفات الحيوانية والكيماوية في المنبع مما يفاقم تلوث المياه. وقد تتسرب بكتيريا الإشريكية القولونية ومسببات الأمراض الأخرى من أنظمة الصرف الصحي ومحطات المعالجة التي تغمرها الأمطار الغزيرة.
لكن تجربة ميونيخ وعدد قليل من المدن الأخرى في أوروبا والولايات المتحدة تُظهر أنه من الممكن الحد من كل أشكال التلوث هذه، وبناء أنظمة صرف صحي ومعالجة أفضل، واحتواء جريان مياه الأمطار لجعلها آمنة بما يكفي للسباحة. وشيدت ميونيخ وولاية بافاريا 19 محطة تنقية على طول ضفاف نهر إيزار وروافده.
وتعالج المحطات مياه الصرف الصحي وخلال أشهر السباحة الأكثر شيوعاً تستخدم أنظمة التطهير بالأشعة فوق البنفسجية لتقليص عدد بكتيريا المياه. كما تم هدم السدود العالية المبطنة بالخرسانة للنهر واستبدالها بمساحات عشبية وحصوية، حيث يمكن لمياه الفيضانات أن تنحسر وتتدفق دون عوائق. بالإضافة إلى جعل البشر أكثر سعادة والقدرة على التماس الجو البارد المنعش، كان النظام البيئي الذي تم ترميمه بمثابة نعمة لطائر صائد الذباب والطيور الأخرى وأسماك سلمون الدانوب.
وبلغ نجاح تجربة إيزار درجة جعلت مخططي المدن من سنغافورة إلى سيول يزرون المنطقة للتعلم منها، وفقاً لمسؤولين في ميونيخ. ويقدم عدد قليل من البلدان الأخرى في أوروبا الآن خيارات منعشة مماثلة للغطس في وسط المدينة. ففي سويسرا، عاد السباحون والحياة البرية إلى الأنهار التي تمر عبر بازل وبرن وزيورخ وجنيف منذ أن أنفقت البلاد نحو 56 مليار دولار على أنظمة الصرف الصحي الجديدة ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي وغيرها من المرافق.
وفي نهر آري في بيرن، يطفو المسافرون بحقائب الظهر المقاومة للمياه إلى جانب أسماك الفرخ والكراكي والتملوس. وتوفر مدينة فيينا أيضاً سباحة رائعة في المياه الصافية والنظيفة لنهر الدانوب. وباريس في خضم جهد كبير لوقف تلوث نهر السين قبل دورة الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 2024، من خلال جمع مياه الصرف الصحي ومياه الأمطار الزائدة في خزان كبير أثناء العواصف. وفي الولايات المتحدة، ارتفع تلوث أنهار حضرية كثيرة لدرجة تجعل السباحة فيها غير قانونية.
لكن الجهود جارية لتنظيفها في نيويورك وبوسطن وفيلادلفيا وشيكاغو ومدن أخرى. وفي بوسطن، أصبح نهر تشارلز الذي بلغت درجة تلوثه حداً اعتبر معها غير قابل للإنقاذ، الآن قابل للسباحة في معظم الأوقات لأن برامج الولاية المكثفة قلصت تصريف مياه الصرف الصحي غير المشروع وتدفقات المجاري. وفي سبتمبر سيفتح نهر أناكوستيا في واشنطن العاصمة ليوم واحد أمام السباحة العامة لأول مرة منذ 50 عاماً، نتيجة لتحسينات البنية التحتية للحد من فيضان مياه الصرف الصحي الذي يكلف مليارات الدولارات على مدار 20 عاماً. وفي بورتلاند، بولاية أوريجون، أصبح من الممكن الآن السباحة والصيد وركوب القوارب في نهر ويلاميت، بعد عملية تنظيف. وهذه المدن هي منارات يجب على الآخرين تقليدها. والاستثمار ضخم، لكن المكافأة كبيرة أيضاً. وفي الوقت الذي يدفع فيه تغير المناخ مزيداً من سكان المدن نحو الأنهار، فإنه يؤدي أيضاً إلى استنزاف وإبطاء تلك الأنهار.
وتسبب الجفاف في العام الماضي في انحسار بمستويات قياسية لكثير من الممرات المائية العظيمة في أوروبا مثل نهر الراين والدانوب واللوار وبو، من بين أنهار أخرى.
واختفت الروافد الأصغر تماماً. كلما تضاءل عدد الأنهار، وزادت ملوحة المياه، وأصبحت الأنهار أقل قدرة على استيعاب صور الحياة. وفي أسوأ الحالات، أصبحت عرضة لتكاثر الطحالب السامة. والعام الماضي، تسببت هذه الأعراض في نفوق مروع للأسماك في نهر أودر على طول الحدود الألمانية البولندية. والحلقة المفرغة لأزمة المناخ تجعل ترميم الأنهار أكثر إلحاحاً، لكن تحقيق هذا صعب.
لكن الأنهار الصحية والقادرة على الصمود تشكل خط الدفاع الأول ضد الانهيار المناخي وتأثير ارتفاع درجات الحرارة على حياتنا جميعاً. *كاتب مقيم في برلين. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز» الاتحاد” .