سمرقند – اوزبكستان – د.جمال المجايدة : وأخيراً زرت سمرقند ثاني المدن أهمية في أوزبكستان، تلك المدينة التاريخية التي بناها تيمورلنك والتي طالما قرأنا عنها في كتب التاريخ والجغرافيا السياسية .
قطعنا المسافة بالسيارة من العاصمة طشقند الى سمرقند في اربع ساعات توقفنا خلالها بعض الوقت في احدى المقاهي على الطريق المليئ بالحيوية والخدمات وباعة الخضار والفواكة المنتشرين على طول الطريق الذي يشق الريف الاوزبكي الجميل.
العمارة الرائعة والسكّان الودودون وأطباق المطبخ المحلّي اللذيذة والتاريخ الذي تكثر قصصه، كلّها عناصر تجعل من الرحلة إلى سمرقند، ثاني أكبر مدينة في أوزبكستان، ممتعة. هناك، تحلو الجولات وتغذّي بالمعلومات عن مكان طمع به غزاة كثيرون، مع الإشارة إلى أن الرحالة العرب كانوا يطلقون على سمرقند اسم “الياقوتة” الراقدة على ضفاف نهر زرافشان.
يفيد موقع اليونسكو أن “مدينة سمرقند التاريخيّة تقع في واحة كبيرة، في وادي نهر زرافشان، بشمال شرقي أوزبكستان، وتعرف تاريخاً يمتدّ إلى 1500 عام قبل الميلاد، حيث نشأت أولى المستوطنات البشريّة فيها، وصولاً إلى القرنين الرابع عشر والخامس عشر اللذين شهدا أوج ازدهارها بوصفها عاصمة “الإمبراطورية التيمورية”.
ساحة ريجستان
وصلنا الى “المدينة القديمة”، في وسط النهار ولاحظنا تعدّد المباني العائدة إلى هذه الحقبة (الإمبراطورية التيمورية)، وهناك توقفنا طويلا في ساحة ريجستان: كانت هذه الساحة الخلّابة الواقعة في وسط “المدينة القديمة” مركزيّة للأسرة التيمورية الحاكمة، إذ كانت تُعلن منها الإعلانات الملكيّة وتُنظّم فيها الاحتفالات والإعدامات العلنيّة.
تحضن ريجستان مدرسة أولوغ بيك (حفيد تيمورلنك) الأكثر قدمًا في سمرقند ومدرسة شيردار ومدرسة تيلا قاري، مع الإشارة إلى أن الصروح الثلاثة مُمتازة بعماراتها إسلاميّة الطابع، وبأعمال الفسيفساء المعقّدة. في ريجستان أيضاً، ضريح الشيبانيين الذي يشتهر بزخارفه وقببه، بالإضافة مبنى التجارة (كورسو) مسدّس الشكل والمقبّب، حيث كان في السابق سوقاً شهيرة للألبسة التقليدية الأوزبكستانيّة.
مسجد بيبي خانم
مسجد بيبي خانم: يقع المسجد شرقيّ ساحة ريجستان، ويُلقّب بـ”جوهرة سمرقند”. يرتفع مدخله لـ41 متراً، كما يضمّ أربعة منارات ومآذن في أقسامه، من بينها الساحة، مع ملاحظة التزويق بصورة مبالغة في هذا العمل المعماري الأخّاذ. كان تيمورلنك أمر بإعلائه، عندما عاد منتصراً من غزوة في الهند، وحمّله اسم زوجته المدلّلة بيبي خانم، وأشرف بذاته على مراحل البناء التي امتدّت لخمسة أعوام.
من فرط حماسة تيمورلنك لرؤية المسجد مكتملاً، في وقت قياسي، كانت تأثّرت تقنيّات البناء سلباً، الأمر الذي جعله يشكو لاحقاً من العديد من المشكلات الهيكليّة. لذا، تهلهلت العمارة ببطء، حتّى ضربها زلزال في عام 1897. لكن، لحسن الحظّ، يخضع البناء لورشة ترميم ممتدّة حتّى اليوم.
ضريح تيمورلنك
قمنا بعد ذلك بجولة في ضريح تيمورلنك المهيب، مع الإشارة إلى أن تيمورلنك أمر بتشييد الضريح ليرقد فيه أحد أحفاده (محمد سلطان)، لكن موت تيمورلنك المفاجئ جعله يدفن في المكان قبل إتمام بنائه.
ضريح تيمولنك مبني من واحدة من أكبر أحجار الجاد الكريمة، بخلاف الأضرحة الأخرى المشيّدة بالرخام والعقيق، حيث يرقد ابني الملك شاه روخ وميران شاه وحفيديه أولوغ بك ومحمد سلطان.
يعكس المكان شيئاً من هندسة آسيا الوسطى، ويتكلّل بقبّة ومآذن لازورديّة اللون، علماً أنّه كان يمثّل أنموذجاً للأضرحة المغوليّة. الجدير بالذكر أن البناء يتضمّن مدرسة إسلاميّة ومجموعة من المباني التي أمر أولوغ بك برفعها.
مجمّع شاه زنده: هو عبارة عن مقبرة متمركزة في الجزء الشمالي الشرقي من مدينة سمرقند، مع الإشارة إلى أن أقسام المكان ترجع إلى الفترة الممتدةّ بين القرنين الحادي عشر والتاسع عشر، وتضمّ أكثر من عشرين مبنى، وجمع من الأضرحة.
مجمع شاه زنده
المبنى المركزي هو ضريح القثم بن العباس بن عبد المطلب، الذي يُعرف في أوزبكستان بـ”شاه زنده”. كان جاء الصحابي مع جيوش المسلمين، في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان، كي يفتح سمرقند. لذا، يُقال إن القثم بن العباس بن عبد المطلب ساهم في انتشار الدين الاسلامي وتمكين أركانه في البلاد.
مرصد أولوغ بيك
يقع داخل مدرسة أولوغ بيك. فهذا المرصد الهامّ من القرون الوسطى يُقدّم أنموذجاً بارزاً على القوّة العلميّة القديمة لسمرقند. ويضيف أن “مسجد بيبي خانم يطلع الزائرين على أكبر المساجد في آسيا الوسطى”.
للمهتمّين في التعرّف إلى المزيد عن التاريخ القديم للمنطقة، فإن “متحف مستوطنة أفراسياب” المفتتح في مناسبة 2500 عام على قيام سمرقند مليء بالكنوز” حسب الدليل الذي يوضّح أن “الجزء القديم من سمرقند هو الأكثر زيارةً من السائحين، ولو أن المدينة تضمّ أيضاً مجموعة من الحدائق والمتنزّهات ومراكز الترفيه والتسوّق الحديثة”.
شهرسبز، المدينة البعيدة ثمانين كيلومتراً عن سمرقند، والشهيرة بأنّها مسقط رأس تيمورلنك، وموقع للآثار الهامّة في وسط آسيا وشمالها
نبذة عن سمرقند
تعد مدينة سمرقند ثاني مدينة من حيث عدد السكان، حيث يبلغ عدد سكانها حوالي 600 ألف نسمة على مساحة قدرها 107 كم مربع، أما ارتفاعها عن سطح البحر فيبلغ 708 متر. يعود أصل تسميتها بداية إلى شمر أبو كرب، ثم حُرِف الاسم لشمركنت بعدها عُرِب فأصبح سمرقند. تقع المدينة في بلاد ما وراء النهر. أنشأها تيمورلنك لتكون تحفة زمانه، فأصبحت تنافس بخارى في ذلك الزمان. توالى على حكمها المسلمون حيث فُتِحت على أيدي قتيبة بن مسلم الباهلي، إلى أن سيطر عليها المغول، ومن ثم في القرن التاسع عشر سيطرت روسيا على المدينة، وبقيت هكذا حتى تفكك الاتحاد السوفييتي، لتنال المدينة استقلالها عام 1992م.



