جوهانسبرغ – جمال المجايدة
قبل دخولنا المحفوف باليقظة والحذر الي وسط مدينة جوهانسبرغ بجنوب افريقيا , تجولنا بالحافلة فوق الجسور والطرق المعلقة المحيطة بالمدينة ليقول لنا السائق :
ارجوكم الا تفاجأوا , مدينة جوهانسبرغ التي يعرفها العالم كله , هي اليوم مدينة اشباح , يسكنها الفقر والبطالة والجريمة فقط , لم تعد عاصمة اقتصادية لجنوب افريقيا كما تتوقعون , هي اليوم مدنية خالية من الاعمال , وما ان اقتربنا من وسط جوهانسبرغ , حتي فهمنا ان كل الابنية والابراج الشاهقة والفنادق الفخمة العالية ومباني بورصة الذهب والالماس الاضخم في العالم خالية ايضا , لم نكن نتوقع ذلك حقيقة ! كل الابراج السكنية والمكتبية خالية بعضها مغلق والبعض الاخر علقت عليه لافتات ( للايجار) غير انه من المستحيل ان يقدم احد علي الاستئجار !
لقد غادر اصحاب الاموال والاستثمارات جوهانسبرغ الي غير رجعة , تركوا عقاراتهم وابراجهم التي تقدر بمليارات الدولارات للمجهول , المدينة تئن من وطأة التخلف في الارض وفي الشوارع التي تحولت الي مرتع للجريمة ليل نهار , انه غضب الفقراء علي الاثرياء ونقمة السود علي البيض , معادلة صعبة اسفرت عن نهاية مدينة عملاقة عرفها العالم بانها رمز اقتصادي بارز علي مدي عقود من الزمن ! وجوهانسبرغ اليوم بصراحة هي اكثر المدن فقرا وتخلفا لوجود السود في شوارعها والذي يبدو انهم سيطروا فعليا علي المدينة بالكامل ووضعوها في الاسر دون أي سلطة للدولة او رمزها المعروف : الشرطة !
قصة نزوح المليارات :
واصل السائق ( بي جيه ) حديثه بالم وحسرة عن اوضاع جوهانسبرغ , قائلا : ليس الجريمة وحدها السبب وراء نزوح اصحاب المليارات والاستثمارات والمشروعات من المدينة الي مدن اخري , بل لان اصحاب الاموال قاموا بتهجير الثروات الي الغرب بعد انتصار الثورة السوداء عام 1996 , غير ان الجريمة لعبت الدور الحاسم , ففي كل يوم يقتل العشرات بالسلاح الابيض والرصاص علي يد السود الباحثين عن الطعام او الذين احترفوا الجريمة , لدرجة ان الشرطة لم تعد قادرة علي فعل شئ ولم نلحظ لها وجود علي الاطلاق في جوهانسبرغ , كما لم نلحظ خلال تلك الجولة ونحن طوال الوقت داخل الحافلة , أي ابيض يسير في الشارع ,
لقد كانت بضع دقائق فقط التي نزلنا فيها الي الشارع لالتقاط صور بجوار بورصة الالماس ذلك المبني المشيد من الزجاج الازرق والفضي علي شكل ماسة عملاقة لامثيل لها في العالم كله !
البائع والمشتري في محال وسط جوهانسبرغ كلهم من السود لاابيض له الحق في الحياة او العيش وسطهم , انها لعنة الفقر علي الثراء علي مايبدو , وفي الشوارع الرئيسية للمدينة الشاهقة تجلس فتيات لتصفيف الشعر علي طريقة النغرو او بائعات صغيرات لمقويات جنسية للرجال من بقايا الحيوانات او التماسيح , وباعة متجولين اخرين يشعرونك بالخطر ,
المدينة لهم وبقايا الفنادق ذات الاسماء العالمية الشاهقة الارتفاع – بعضها يصل الي 70 طابقا مثل كروان بلازا وراديسون – لاتزال خاوية من الحياة ومن الهواء ايضا!
هذه هي جوهانسبرغ ! مدينة الاطلال والجريمة و الايدز الذي يتجول في شوارعها , لم تعد مفخرة لجنوب افريقيا علي الاطلاق , ولم تعد الاسم الذي كان يغري اصحاب المال والاعمال للعمل فيها , اصبحت اثرا بعد عين , تكافح المجرمين الذي اطاحوا بها ارضا وتفوفوا علي الدولة في حرمانها من الوصول الي المزيد من الحرية الاقتصادية بعد التحول الديموقراطي ! وقيل لي ان العديد من اصحاب الشركات من الجنوب افريقيين البيض غادروا البلاد نهائيا كلاجئين الي استراليا ونيوزيلاندا وكندا بحثا عن الامن الشخصي والاستقرار , وربما هي مقدمة لاستعادة البلاد كلها من المستوطنين البيض , ولكن الخشية من أي مستقبل ينتظر السود اذا غادر البيض حاملين معهم الثروة ؟