حلب – د.جمال المجايدة :
الزيارة الي مدينة حلب لاتكتمل بدون زياره القلعة وهي من أشهر قلاع العالم، يعود تاريخ بناء قلعة حلب إلى عصر الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين الأيوبي وكان ولاه عليها سنة 1190م، فلقد حصّن مدخلها وبنى على سفحها جداراً ، وحفر حولها الخندق، وشيد في داخلها مسجداً وعدداً من القصور. وكانت زوجه ضيفه خاتون، التي صارت ملكة حلب ، تعيش في أحد قصور القلعة، وتعلو القلعة ما يقرب من أربعين متراً عن مستوى مدينة حلب ، ومازالت أسوارها وأبراجها قائمة ، يعود بعضها إلى عصر نور الدين زنكي، ويحيط القلعة خندق بعمق ثلاثين متراً .
وندخل إلى القلعة من بوابة ضخمة من خلال برج دفاعي مستطيل الشكل، ينتهي بالمدخل الكبير للقلعة، ويتكون من دهليز ينتهي بباب ضخم من الحديد المطرّق، تعلوه فتحات للمرامي والمحارق، ويعود إلى عصر خليل بن قلاوون الذي جدده ورممه. وتعلو الباب قنطرة حجرية عليها نحت ممتد على طولها يمثل ثعبانين برأس تنين .
وبعد اجتياز هذا المدخل نصل إلى دهليز آخر في جدرانه الثلاثة أواوين ضخمة، وفي إيوانه الشمالي باب يتصل بدرج يؤدي إلى قاعة الدفاع، وللقلعة باب رابع خشبي يعلوه قوس عليه نحت أسدين متقابلين .
وبعد اجتياز الباب نمر بمصاطب مرتفعة تتخللها غرف ومستودعات . ثم نصل إلى ممر القلعة الداخلي تتخلله مجموعة من المباني والحوانيت، وثمة درج يؤدي إلى القصر الملكي ثم نصل إلى مسجد إبراهيم الخليل الذي أنشأه الملك الصالح اسماعيل بن محمود بن زنكي سنة 536هـ/1179م . وعلى مدخل المسجد، وعلى جدرانه كتابات تاريخية. ويلي هذا المسجد بناء آخر هو مسجد ذو مئذنة مربعة عالية ، أنشئت في عصر الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين الأيوبي . وليس بعيداً عن هذا المسجد الذي رمم مؤخراً، تقوم ثكنة عسكرية أنشئت في عصر إبراهيم باشا المصري سنة 1252هـ/1834م .
ومن القصور التي مازالت قائمة داخل قلعة حلب ، قصر يوسف الثاني حفيد غازي، مزين مدخله بمقرنصات جميلة، وأمامه ساحة مرصوفة بأحجار صغيرة ملونة ذات رسم هندسي بديع .
ونتجه – برفقه الدليل السياحي عدنان الحموي – من القصر إلى قاعة العرش، ندخلها من بوابة ذات أحجار ملونة، تعلوها مقرنصات، تحتها كتابة تاريخية. ولقد شيدت القاعة في العصر الأيوبي على برجين حول المدخل الخارجي، ثم أكملت ورممت في العصر المملوكي. ثم أضيف إليها في عام 1960 زخارف أثرية خشبية وحجرية . ومن أجمل نوافذ هذه القاعة، نافذة كبيرة ذات شباك مزخرف بصيغ عربية، ومن خلاله تُرى مدينة حلب مترامية الأطراف عند مدخل القلعة، ولقد زخرفت واجهات القاعة الخارجية، بزخارف هندسية حجرية وبأشرطة من الكتابات العربية من أبلغها “قل كلٌّ على شاكلته” .
وتحت قاعة العرش هذه، قاعة الدفاع، وتخترق جدرانها كُوى لرمي السهام، وفتحات لسكب السوائل المحرقة على المداهمين والقضاء عليهم .
اسواق حول القلعة !
علي الرغم من قلعة حلب تعرضت لغزو المغول بقيادة هولاكو سنة 658هـ/1260م، الا انها لم تتوقف فيها الحياة ابدأ , هذا مااكده لي المؤرخ السوري محمد قجة , فهي دائما مأهولة بالحكام والناس منذ فجر التاريخ و القلعة حوصرت من المغول ولم تسقط تهدم اجزاء منها وظلت صامدة وتحررت تماما بعد انتصار العرب على المغول في موقعة عين جالوت. وقام الملك الأشرف قلاوون بترميم ما تهدم منها. ثم جاء تيمورلنك الأعرج سنة 803هـ/1400م، فهدم المدينة والقلعة، وقام المماليك بتحريرها وترميمها .
ثم استولى عليها العثمانيون سنة 923هـ/1516م وجاء إبراهيم باشا بن محمد علي باشا من مصر عام 1831، واستمرت خاضعة له حتى عام 1257هـ/1840م .
يوجد في قلعة حلب، جدار من معبد حدد إله الأمطار والأنواء، وكان معبود جميع شعوب المنطقة ويتألف الجدار من سبعة مشاهد تمثل الإله وكائنات أخرى خرافية بأسلوب فني متميّز .
ولقد تبين أن قلعة حلب كانت مقراً لمعابد حثيّة وآرامية ، واكتشفت آثار تؤكد ذلك محفوظة في متحف حلب . وفي العصر الإغريقي أصبحت القلعة اكروبول المدينة ، واستمرت كذلك حتى اقتحمها العرب المسلمون، وعلى رأسهم خالد بن الوليد، واستقر الحكم العربي الإسلامي منذ ذلك الوقت في حلب وقلعتها المنيعة التي صدت هجوم الروم والمغول والتتار ، وكان أول من استعملها سيف الدولة الحمداني ثم المرداسيون وبعدهم آل سنقر ثم رضوان بن تتش أصلح فيها ، ولكن الأيوبيين هم بناتها كما هي اليوم .
بعد تلك الجولة كان لابد من استراحة قصيرة علي مقهي مقابل القلعة لمجرد التأمل في وجه التاريخ والجغرافيا , بعدها كان لابد ايضا من جولة في حلب القديمة المعروفة بأسواقها المتنوعة التي سميت بأسماء الحرف والصناعات التي كانت قائمة في المدينة ومنها سوق النحاسيين وسوق العطارين وسوق الحدادين، وسوق البن، وسوق الجمال، وسوق الحرير، وسوق الحصارين، وسوق الخابية، وسوق الخشابين، وسوق الخضرية، وسوق الخيل، وسوق الزجاجين، وسوق الصباغين الذين كانوا يقومون بصبغ الأقمشة، وسوق الصرماياتية ويسمى القوا فخانة، وتصنع في هذا السوق وتباع الأحذية الحلبية التقليدية والمعروفة باسم الصرماية وتكون حمراء أو صفراء، وسوق الصياغ , وسوق الشونة التقليدي الهادئ !
الي الجامع الاموي الكبير
وانت تسير وسط حلب القديمة تقودك قدمان – لااحد سواهما – الي الجامع الاموي الكبيرالذي بناه سليمان بن عبد الملك ليضاهي فيه ما عمله أخوه الوليد في جامع دمشق ، والمسجد فسيح مريح للنفس والعبادة والتامل في خلق الله الذي يؤمونه ليل نهار من كافة الاعمار نساء ورجالا , انه حياة اخري لاهل حلب وهبة من رب العالمين لهم . وتقول مراجع التاريخ انه عندما دخل الإمبراطور البيزنطي نقفور فوكاس الثاني حلب أحرقها وأحرق جامعها ثم رحل عنها ، وعندما عاد سيف الدولة إليها رمم بعض المسجد الاموي ،
أما الجهة الشرقية فقد بناها القضاة بنو العماد الذين كانوا أصحاب طرابلس الشام ، وفي أيام نور الدين الزنكي أحرقته الإسماعيلية مع الأسواق التي حوله فاجتهد نور الدين بعمارته ولم يكن الجامع على التربيع فأحب نور الدين أن يجعله مربعا ، ويوجد داخل صدر الجامع الاموي ضريح النبي يحيى بن زكريا عليهما السلام الذي نقل إلى حمص ثم إلى مدينة حلب ،
لقد بُنِي جامع حلب الكبير في العهد الأموي على هيئة جامع دمشق في أيام الخليفة سليمان بن عبد الملك، ثم تهدم أكثر من مرة، كانت الأولى حين غزا الإمبراطور “نقفور فوكاس” مدينة حلب وخربها، والأخيرة كانت على يد تيمورلنك، وجدد في العهد المملوكي. وأقدم شيء فيه مئذنته الرائعة، وهي مربعة الشكل شيدت في عام 1090م، ويشتهر أيضاً بمنبره الخشبي المصنوع من خشب الأبنوس المطعم بالعاج، صنع في أيام السلطان الناصر محمد بن قلاوون في القرن 8هـ/ 14م. ويعتبر هذا المسجد من التحف الفريدة للحضارة الاسلامية حتي يومنا هذا لكثرة ماتعاقب عليه من خلفاء وملوك المسلمين وائئمتهم ! وتحيط بالجامع عدد كبير من الخانات الاثرية ويتألف الخان عادة من مدخل ذو غرف جانبية يسمح بدخول العربات وقوافل الجمال تعلوه واجهة تذخر بالزخارف مع باحة كبيرة وغرف عديدة من ا لجهات الأربعة وتحتوي حلب على أكثر من سبعين خانا . وتنتشر مابين الجامع والخانات العديد من التكايا والزوايا , الزوايا في تصميمها بشكل عام هي أقرب إلى المدرسة منها إلى المسجد حيث تتكون الزوايا من العناصر الأساسية التالية: الصحن، القبلية، غرف للتدريس وحجرات وخلوات للإعتكاف، المقبرة أو ضريح شيخ الطريقة أو بعض المريدين وقد تكون مسقوفة أي موجودة في القبلية كما في بعضها (الصيادية ـ النسيمي ـ الكمالية..) أو قد تكون في الصحن المكشوف (البزازية ـ الهلالية..) , بصراحة لايمل المرء وهو يتجول بين جنبات التاريخ هناك , فكل حجر تاريخ يكاد ينطق بما شهده من تطور وانكسار وفتوحات وغزوات علي مدي قرون سبقت الميلاد والاسلام .