حلب – د.جمال المجايدة : زرت متحف الآثار في مدينة حلب هو رئة المدينة التاريخية وتعرفت علي حضارة عانقت الحياة منذ فجر التاريخ ,ويعدّ متحف حلب من أهم متاحف العالم المتخصصة في اللقي الأثرية التي تضمها أجنحته من حقبة ما قبل الميلاد.
تأسس متحف حلب عام 1931 ليضم الموجودات المتحفية التي اكتشفت في تل حلف رأس العين لذلك زين مدخل المتحف بنسخة من واجهة القصر الملكي في تل حلف وهي من القرن التاسع قبل الميلاد، وأصلها محفوظ في متحف برلين .
ويضم المتحف الآثار المكتشفة في شمالي سورية والفرات في عدة أجنحة منها، جناح الشرق القديم، وهو عبارة عن قاعة ما قبل التاريخ وتستعمل حالياً كمعرض للوحات الفنية. وتضم خزائنها أدوات إنسان العصر الحجري.
جناح الآثار القديمة الذي يضم قاعة تلال الجزيرة مثل تل براك وشاغار بازار وتل أسود حيث نقب عالم الآثار ماكس ملّوان زوج الكاتبة البوليسية أغاثا كريستي في الثلاثينات ووجد لقى من الألف الثالث والثاني قبل الميلاد. وقاعة ماري: حيث نقب منذ عام 1933 أندره بارو في تل الحريري ووجد اللقى الرائعة من الألف الثاني ق.م. ومن بينها آلهة الينبوع الشهيرة.
قاعة أوغاريت: حيث اكتشفت أقدم أبجدية في العالم في القرن الرابع عشر ق.م. ثم قاعة حماة التي تضم اللقى التي وجدها العالم الدانمركي أنغولت في حماة من الألف الثاني ق.م. وقاعة تل حلف التي تضم لقى بعثات أوبنهايم 1911-1929 ونصفها أصلي ونصفها الآخر نسخ حيث أخذ الأصل إلى برلين وتعود جميعها إلى الحقبة الآرامية والقرن التاسع ق.م.
قاعة أرسلان طاش التي تشتهر بلوحاتها الصغيرة من العاج من الألف الأول ق.م. قاعة تل أحمر بارسيب، وتشتهر بلوحاتها الجدارية الملونة من الألف الأول ق.م.
ثم جناح المنوعات ا لذي يحتوي على خزانة تضم اللقى المكتشفة في تل الخويرة الواقع إلى الغرب من راس العين ويضم دمى ولقى من الألف الثالث والثاني ق.م.
كما يضم بعض اللقى كتمثال محارب السفيرة من القرن الثامن ق.م. وتماثيل الآلهة عشتار من عين دارا قرب عفرين.
والقاعة الأخيرة مخصصة لمملكة إيبلا التي وجدت في تل مرديخ مع أرشيفها وتعود اللقى الموجودة في القاعة إلى حقبتي الازدهار 2400-2250ق.م و1800-1200ق.م. ومن بينها الرقم الفخارية وأجران التقدمة وأحجار الأضاحي مع رسوم للتل ومواقع الحفريات.
مكتشفات حفريات الفرات
وفي الطابق العلوي من المتحف جناح آثار مكتشفات حفريات الفرات، وفيه عشرون خزانة مختلفة ضمّت لقى مختارة من التلال التي غمرت في بحيرة سد الفرات والتي تعود إلى الألف الرابع والثالث والثاني ق.م. والعصور الكلاسيكية والعربية الإسلامية المختلفة ومن أهم هذه التلال، تل مريبط حيث وجد أقدم بيت سكنه الإنسان المتحضر بعد الكهوف ويعود إلى الألف التاسع ق.م. وتل حبوبة حيث وجد أقدم أقبية فخارية لتصريف المياه من الألف الرابع ق.م.، وتل قناص وإيمار ومسكنة ودبسي فرج جناح الآثار الكلاسيكية، الذي يضم لقى من الحقبة الهلنستية أكثرها فخاريات، ومن الحقبة الرومانية ومن بينها أحجار القبور والفسيفساء، والبيزنطية ومن بينها ذخائر الشهداء بالإضافة إلى أنواع النقود المعدنية المختلفة. كما يشتمل المتحف على جناح الآثار العربية الإسلامية الذي يضم العديد من المنوعات .
حلب اكرم ماوي !
حلب .. الجميلة .. قال عنها رامبليز الإنجليزي قبل 140سنة إنها (لندن الصغرى) وذكرها شكسبير مرتين في شعره وسماها الشاعر الفرنسي لامارتين الذي زارها قبل 175سنة (أثينا الآسيوية) حتي أرسطو استأذن الاسكندر أن يستجم فيها وفعلاً مكث فيها أشهراً.. هذه هي مدينة «حلب» كما رايتها مدينة تتدفق حبا وعشقا للقادم اليها من بعيد تدفئه بحنانها وتعطره بوردها الجوري وتستقبله بود وترحاب وابتسامة .
المدينة علي الرغم من انها مهمله خارجيا – من ناحية الترويج السياحي والاعلامي ما زالت تستقطب السياح من كل مكان ليشاهدوا معالمها التاريخية وخاصة قلعتها الشهيرة كبرى قلاع العالم وأسواقها القديمة التي تمتد لمسافة 15كلم , وليشاهدوا جامعها الأموي الشبيه بجامع دمشق وخاناتها الفريدة .
وحسب المراجع التاريخية فان صلة الرحالة والمستشرقين بحلب لم تنقطع منذ أن قصدها أرسطو بهدف الاستشفاء من مرض ألم به، فقد استقطبت حلب معظم الرحالة العرب مثل ياقوت الحموي وابن جبير وابن بطوطة والمقدسي والحميري، وقضى الشاعر الفرنسي الكبير لامارتين فترة مهمة من حياته مقيماً في حي الكتاب في حلب ليكتب أهم قصائده، ومنها قصائد لجوريل التي اقامت معه برفقة شقيقتها موليناري التي قرضت هي الأخرى الشعر باللغة العربية. ومن الرحالة الذين زاروا حلب في القرنين السادس عشر والسابع عشر وكتبوا عنها دارامون، ولومانس، وراولف، وتافيزيه، ودانديني، ونيوبري، وبوكوك، وآخرون.
لم يكن ما قاله شوفا جيه، ذلك الرحالة الفرنسي الذي زار حلب، في القرن السابع عشر عن أسواق المدينة ضربا من المبالغة الكلامية فقد كانت للأسواق مكانة مرموقة بين المراكز التجارية العالمية في تلك الفترة وهي الفترة الذهبية التي تطورت وازدهرت فيها(المدينة ) إنها أهم نموذج عمراني لمراكز مدن العالم الإسلامي حول البحر الأبيض المتوسط وفي الشرق الأوسط تكاملت وازدهرت خلال القرن السابع عشر وما بعده ولعبت دورا اقتصاديا كبيرا بين الشرق والغرب . بالإضافة إلى ذ لك نجد هذا التكامل الرائع في النسيج العضوي للمدينة القديمة بوجود الأحياء القريبة من الأسواق والخانات مع العديد من الجوامع والمدارس والبيمارستانات وغيرها مما يؤمن للسكان ما يحتاجونه روحيا وجسديا دون الذهاب بعيدا للحصول على ما يلزمهم من الخدمات وهكذا يجد السائح اليوم أسواق حلب تضج بالحياة والفعاليات التجارية والصناعية المختلفة .
هذه هي حلب كما رأيتها في مارس 2006 وحري بزملائي من الكتاب والصحافيين العرب السفر اليها بعد كارثة الحرب والدمار الذي لحق بها واضافة المزيد من الافكار المبدعة التي تنفض غبار النسيان عن واحدة من اهم رموز الحضارة الانسانية قبل المسيحية والاسلام , الا وهي حلب اقدم مدينة مأهولة في العالم , انها تستحق الكثير من التقدير , وقديما قيل عنها : حلب اكرم ماوي .. وكريم من يآويها !