صلاح سليمان
من ميونيخ إلى بون التي تقع في جنوب ولاية “نورد راين فستفاليا” في غرب ألمانيا، يقطع القطار المسافة في 6 ساعات، فالمدينة قريبة جدا من مدينة كولونيا الشهيرة، كما أنها اشتهرت كثيرا وقت أن كانت العاصمة الاتحادية لألمانيا حتى عام 1990 قبل هدم سور برلين وانتقال العاصمة إلى برلين.
لا منافس لمنزل بيتهوفن في بون
سبب الزيارة هو مشاهدة منزل ومقتنيات واحد من أهم المبدعين الموسيقيين في العالم، فمنذ أن تطأ قدمك أرض هذه المدينة الجميلة الهادئة، ستفاجأ بأن كل شئ فيها يذكرك بالموسيقار الألماني الشهير “لودفيج فان بيتهوفن”.
أينما حللت في جهات المدينة الأربع ستجد إسم بيتهوفن في كل مكان، في أذقتها وشوارعها، فهذا مطعم بيتهوفن وتلك صيدلية بيتهوفن، وهذه الساحة الكبيرة هي كذلك ساحة بيتهوفن.
لا منافس آخر في هذه المدينة لأسم هذا المبدع، فهو ولد هنا، وتخليده ليس له مثيل في أي مدينة أخرى، حتى أنك تكاد تشعر أن بيتهوفن يعيش في داخل كل بيت، ويقف على ناصية كل شارع في بون.
في الطريق إلى منزل بيتهوفن غير البعيد عن مقر بلديه المدينة في شارع بون منزل رقم 20، نمر بسوق المدينة الذي يقع في قلب ساحة المدينة الرئيسية، وهو يعج بحركة البيع والشراء الكثيفة، وبه كل أنواع الفاكهة والخضار، قد لا تستطيع مقاومة رونق الفاكهة الطازجة وأنت تمر في وسطها، ولا مانع من شراء بضع ثمرات من فاكهة البرقوق المنتشرة في أرجاء السوق لتذوقها.
الاحتفاظ بالتفاصيل الدقيقة
شارع منزل بيتهوفن الضيق مازال يحمل عبق الماضي البعيد في كل جنباته، وكلما اقتربنا من المنزل تبدأ الحارات في التداخل، وتشعر وكأنك أصبحت محصورا في قلب الماضي التليد، فبيت بيتهوفن الذي ولد فيه عام 1770 والمبني على طراز الباروك مازال يحمل كل خصائص الماضي البعيد بكل تفاصيله الصغيرة.
المنطقة المحيطة بالمنزل تحتفظ بكل ملامح وطرز القرن الثامن عشر، إن إمعان النظرلدقائق في ذلك الطراز القديم من المعمار الذي بقي على حاله طيلة كل هذه السنوات، يجعلك تشعر بالامتنان إلى هؤلاء الذين حافظوا على تلك المباني التاريخية رائعة الجمال والذكريات.
هم لايفرطون في كل أثر تركه المبدعون في تلك البلاد من فلاسفة، وكتاب، وفنانين. كل شيء موجود، واي زيارة لأماكن هؤلاء الناس ستجد أشياؤهم، وأدواتهم، ومنازلهم على حالها باقية لتحكي لك جزءا من تاريخ الإبداع في ألمانيا.
كل شئ في المنزل على حاله
الباب الخشبي الأصلي للمنزل مازال يحتفظ بشكله القديم، وما أن ندلف عبره إلى داخل المنزل، نمر من خلال ممر ضيق إلى الفناء، وهو عبارة عن حديقة صغيرة يتوسطها تمثال للموسيقار الشهير، نشاهد كذلك طلمبة مياه قديمة، أما داخل المنزل الذي تحول إلى متحف فيستطيع الزائر أن يشاهد فيه كل تفصيلات حياة الموسيقارالشهير بدقة متناهية، مكان مولده، شجرة العائلة الخاصة به، صور عديدة لمدينة فيينا التي عمل وعاش فيها أيضا ونال شهرته هناك.
زينت كل جدران غرف المنزل بلوحات زيتية تصور بيتهوفن وعائلته وأصدقاءه وأساتذته، كما سترى صور لأوركسترا مدينة بون، ثم نتعرف بعد ذلك من خلال المعلومات المتوفرة في المتحف، كيف أصاب الصمم أذن بيتهوفن في عام 1802، والأثار الدرامية التي أعقبت تلك الإصابة والتي كان من أبرزها انطوائه وبعده عن الحياة الاجتماعية.
ما زالت كل المخطوطات التي كان يتعلم منها الموسيقي في صباه محفوظة بشكل جيد، كذلك البيانو الضخم الذي كان يمتلكه في المنزل، إضافة إلى أورج خشبي بدائي كان يستخدمه في العزف، وآلة الكمان الخاصة به والتي كان يعزف عليها مع أوركسترا بون.
في الغرفة الثامنة من المنزل هناك نسخ لأكثر من بيانو كان قد تلقاهم من اشهر صناع البيانو في ذلك الوقت، بالاضافة لآخر بيانو عزف عليه في فيينا قبل موته.
الصمم لم يمنعه من كتابة السمفونيات
إن عظمة هذا الموسيقار العظيم لا تقف فقط علي الإبداعات العظيمة التي قام بها، بل في خلود أعماله وبقائها متألقة طيلة كل هذه السنوات دون أن يطغي عليها لونا أو نوع آخر من الموسيقى، بل إن الإعجاز يكمن في أن اثنين من السمفونيات التي كتبها كانت وهو أصم لا يسمع، وهما السيمفونية الخامسة والتاسعة، والتي مازالت تعتبر من أكبر السيمفونيات في العالم نجاحاً حتى الآن. عبقرية بيتهوفن ظهرت في سن الثامنة عندما قدم اول حفلاته الموسيقية، وفي عام 1782 نشرت أول أعماله الموسيقية المعروفة، وهو الذي جعل الكثير يتنبأون له بمستقبل باهر وأنه سيصبح على قمة الموسيقيين في العالم. أما جنازته فقد سار فيها 20 الف مودع في ذلك الوقت، وهي مصورة بلوحة ضخمه في منزله، بالاضافة إلى قناع صنع له بعد موته ب12 ساعة فقط، وفي كل عام تحتفل ألمانيا بذكراه من خلال مهرجان موسيقي عالمي يحمل أسمه وتستضيفه المدينة في كل عام.