الاردن – د.جمال المجايدة : خلال جولتي في منطقة البحر الميت في الاردن زرت المغطس , المكان التاريخي الذي تعمد فيه المسيح عليه السلام والذي زاره بابا الفاتيكان بنيدكت السادس عشر موقع المغطس خلال زيارتة إلى الاماكن المقدسة في فلسطين عام 2009 .وكذلك البابا الراحل يوحنا بولس الثاني . ولهذا فان المغطس يحظي بالاهمية الدينية والتاريخية والحضارية منذ عهد سيدنا عيسي عليه السلام
يقع المغطس في منطقة وادي الخرار التي سميت قديماً ببيت عنيا أي الى الشرق من نهر الأردن، وهناك وقف المسيح عليه السلام، وهو ابن ثلاثين عاماً، بين يدي النبي يحيى عليه السلام، لكي يتعمد بالماء، ويعلن من خلال هذا المكان بداية رسالته للبشرية.
قال لنا المرشد السياحي ان الحفريات الموجودة في المنطقة تضم آثار كنيسة بيزنطية كانت قد بنيت في عهد الامبراطور آناستاسيوس، كما يوجد في المكان عدة آبار للماء وبرك يعتقد ان المسيحيين الأوائل استخدموها في طقوس جماعية للعماد.
وقد قامت دائرة الآثار العامة الاردنية بترميم الموقع الذي زارة البابا يوحنا بولس الثاني وأعلنه مكاناً للحج المسيحي في العالم مع أربعة مواقع أخرى في الأردن هي: قلعة مكاور، جبل نيبو، مزار سيدة الجبل في عنجرة، مزار النبي إيليا في منطقة خربة الوهادنة
وكان المغطس منذ عام (1967) منطقة عسكرية مغلقة لا يسمح بدخولها بسبب الالغام المزروعة باحشاء تربتها، ولانها منطقة محاذية ،الى حين توقيع اتفاقية السلام” وادي عربة” مع اسرائيل.
وبعد عام(1995) بدات رحلة البحث والتنقيب عن موقع المغطس، لدلالاته الدينية والتاريخية والسياسية،وقام الامير غازي بن محمد رئيس مجلس امناء هيئة المغطس، برحلة الى الموقع وكان يصاحبه الأب بشاريللو وهو حارس الاراضي المقدسة، ومن بعدها امر فريق من علماء الاثار الاردنين المتخصصين بالبدء بعملية التنقيب .
وكانت لزيارة البابا بندكتس السادس عشر لهذا الموقع اهمية كبيرة واعتراف رسمي من الكنيسة الكاثوليكية بأهمية هذا الموقع وقدسيته لدى الحجاج المسيحين، ولعل زيارة البابا السابق يوحنا بولس الثاني الى المغطس عام (2002 )حاجا لاول مرة قد حسم ايضا موقع المغطس،فاصبح الحجاج المسحيين ياتون للحج من كل فج عميق من مختلف الرعايا والكنائس والجنسيات .
مراسم الحج علي ضفاف النهر !
امضينا في هذا المكان قرابة الساعات الثلاث ولاحظنا مدي تلهف الحجاج لاتمام مراسم الحج التي تنتهي علي ضفاف نهر الاردن فقد وشربوا من مياه النهر وتباركوا بلمسها ،وتجولت ابصارهم في هذا المكان المقدس ،تخطفهم روعة وصفاء المكان، وطبيعته الخلابة، ويغادرون وارواحهم مشدودة خلفهم ويأخذون معهم الذكريات المغروسة في ذاكرتهم , اما نحن فقد ظلت ارواحنا مشدوده خلفنا صوب فلسطين التي كان يفصلنا عنها مسافة خمسة امتار فقط هي عرض النهر , لكن اسوار المحتل الاسرائيلي واسلاكه الشائكة وحصونه العسكرية تحول دون عبور النهر الي الوطن السليب !
يقول المهندس ضياء المدني مدير موقع هيئة المغطس حينما سألناه عن كيفية حماية الموقع اثريا وبيئيا / ان الهيئة باقصى جهودها لتنمية الغطاء النباتي وتنشيط الحياة البرية في المنطقة، والاشراف على اعمال الترميم والعمل على تطوير وتحسين البنية التحتية والخدماتية والارشادية، لتكون على افضل وجه امام السياح والحجاج /
ويؤكد ان هناك ازدياد متسارع في عدد الزوار الى منطقة المغطس وخصوصا في شهر نيسان وايلول وتشرين الاول نظرا لاعتدال المناخ الجو وفي شهر كانون الثاني للاحتفال بعيد الغطاس.
ويضم المكان شواهد ومباني قديمة تدل على عراقة الاصالة التاريخية للمكان , ويحتوي موقع المغطس على مركز للزوار وبقالة ومطعم ومركز للمسنين ،وقاعة عرض ومهبط للطائرات العامودية وممرات للمشاة على امتداد الموقع وبركتين للتعميد،ومن النباتات التي يتمتع الناظر برؤيتها اثناء طريقه الى المغطس وتستلهم خياله وتاخده بسحر المنظر خضرة نبات الينبوت والعجوت التي تعد ماوى لنحل العسل.
ويؤكد نائب مدير هيئة المغطس م.رستم مكجيان وهو خبير في الاثار الدينية، ان مساحة الارض التي يقع عليها المغطس تضم عشرة الاف دونم ومنها الف دونم تعود ملكيتها للكنيسة الارثودكسية .
وقال ان منطقة المغطس تعد البقعة الاكثر انخفاضا بالعالم . وأخذ م. مكجيان يشرح لنا عن “رحلة الخلاص من الذنوب والصعود الى السماء” وقال ان اسم المغطس جاء تحت اسم “عنيون “و” صفصاف” مشيرا الى الرموز التي وردت على خارطة “الفسيفساء” وانه في صورة النهر يوجد سمكتان متقابلتان تماما عند موقع المغطس ،وفسر ذلك بأن السمك لا يعيش في البحر الميت، لذا فانه يعود باتجاه الشمال من نهر الاردن، موضحا الى اهمية معرفة ان السمك يرمز الى السيد المسيح عليه السلام ،ورمز للعماد متطرقا الى صورة الاسد والغزال ،فقال ان الاسد يلاحق الغزال فلا يرمز ذلك فقط لحياة البرية و”يوحنا المعمدان” بل فسرها بالقوي التي يلاحق الضعيف أو” هيرودس” يلاحق “يوحنا المعمدان”.