الاردن – د. جمال المجايدة : وصلنا الي مدينة جرش قادمين اليها من عجلون شمال الاردن , كانت نسمات الهواء تهب علي المدينة قادمة عبر دورب الاودية وسط الجبال وغابات الصنوبر الخضراء .
لقد كانت تلك هي الزيارة الاولي لي الي جرش وبصراحة اقول انها اجمل من كثير من المدن الاوروبية ومن من أفضل المدن السياحية فى العالم العربى، فالمدينة تكتنز تاريخا عريقا وحضارة ثرية ربما لامثيل لها في مناطق اخري في العالم .
تُعرف جرش بمدينة الألف عمود . وقد سميت بهذا الأسم نسبة إلى كلمة جرشا ، والتى تعنى المكان الكثيف الاشجار، ويُقال أن الإغريق أطلقوا عليها أسم جراسا .
تقع جرش شمال غرب العاصمـة عمان، وتبعد عنها بمسافة 48 كيلومتر، وعدد سكانها حوالى 42 ألف نسمة. واشتهرت بآثارها وغاباتها وبساتينها وتضاريسها ومناخها المعتدل على مدار العام. ويقصدها السياح من مختلف دول العالم، ليتنسموا عبق التاريخ والحضارة المشرقة، والتراث الانساني لهذه المدينة العريقة.
قال لنا المرشد السياحي احمد ملكاوي أن مدينة جرش كانت مأهولة بالسكان فى عصور ما قبل التاريخ، وأن بانيها هو الإسكندر الأكبر، وقد تعاقبت عليها أمم وحضارات منها اليونان والروم والعرب المسلمين ، مماجعلها متنوعة الثقافة والعمران.
تاريخيا عرفت جرش ايضا بأرض جلعاء.. فهي المدينة الرومانية التي أقيمت في العصر الهيليني كواحدة من أغنى حواضر الإقليم, وكانت من أغنى الحواضر وأكثرها بذخاً وفخامة ثم أصبحت جوهرة بين مدن الديكابويس (المدن العشرة التي مثلت حضارة الرومان واليونان).
وتؤكد آثار جرش أنها كانت مأهولة بالسكان عام 6000 قبل الميلاد في العصر النيوليثي.
وفي العام 63 قبل الميلاد قسم ( بومبي ) المنطقة إلى مقاطعات وألحقت جرش بالمقاطعة السورية شأنها شأن جاراتها, ثم دخلت جرش في حلف (الديكابويس) وازدهرت المدينة وبلغت عهدها الذهبي في عهد الإمبراطور هارديان حيث شيدت الأبنية التي نشاهدها اليوم وشيد قوس النصر تخليداً لذكرى إقامته في جرش سنة 129 – 130م, واستمر البناء وجابت الأعمدة من آسيا الصغرى وأسوان جنوب مصر بحيث أحضرت أعمدة المرمر من آسيا الصغرى وأحضرت أعمدة الغرانيت من أسوان, وبني هيكل آلهة المدينة ( أرتميس ) ثم بني هيكل ( زيوس ) مرة ثانية ودشن سبيل الحوريات وشيد هيكل ( نميس ) بمحاذاة البوابة الشمالية من الخارج واختفى الآن.
وفي القرن الثالث بلغت المدينة نشاطاً بعيداً في تقدمها وعمرانها وتجارتها وأصبحت في مرتبة مستعمرة, وفي عهد جوستنيان ( 527 – 565 ) عاد الرخاء إلى المدينة ثانية بعد فترة اضمحل فيها هذا الرخاء فترة من الزمن.
وفي عام 636م جاء الفتح الإسلامي وفي القرن الذي تلى وقعت زلازل في الدينة وتهدمت الأبنية.
تتكون مدينة جرش التاريخية من آثار فريدة تضم شوارع معبدة ومعمدة، ومعابد مرتفعة، ومدرجات ومسارح، وميادين وقصور، وحمامات، ونوافير وأبراج وبوابات. وتشتهر بآثارها المتنوعة التى تذهل عقل كل من شاهدها،
من أشهر الاثار التي شاهدناها في جرش هي بوابة هدريان قوس النصر ، والتي أقيمت عام 130 م، إحتفاءا ً بزيارة الإمبراطور الروماني هدريان إلى المدينة، وهي عبارة عن مدخل ضخم يتكون من ثلاثة مداخل أكبرها المدخل الأوسط والذي يبلغ طوله 37 متر وعرضه 9 أمتار، وتقع البوابة في بداية الجهة الجنوبية من المدينة الأثرية، وقد تهدمت أجزاء كبيرة من البوابة فى عام 268 م؛ بسبب الحروب .
ومن أشهر الأماكن التي زرناها في جرش، مقام النبي هود ، الذى يقع على قمة جبل مرتفع شرق مدينة جرش الاثرية وفي قرية النبي هود والمعروفة بهذا الاسم نسبة إلى سيدنا هود علية السلام.
ومن الهبات الطبيعية التى وهبها الله لمدينة جرش، ثراءها بأشجار الزيتون، الذى يبلغ عددها حوالي مليون وربع المليون شجرة، كما أنها تتميز بوجود الغابات الكثيفة لأشجار السنديان واللزاب والأودية و ينابيع المياه، ويكثر فى أوديتها أشجار المشمش واللوز.
ساحة الندوة:
ومن المعالم السياحية والآثرية فى جرش، ساحة الندوة التى كانت تستخدم فى إقامة الحفلات والمناسبات الكبرى. وتحيط بالساحة أعمدة كثيرة على شكل أكثر من نصف دائري، وترتفع الأعمدة بتنسيق جميل، وتزينها تيجان مزخزفة ونقوشات إبداعبة جميلة، وكانت هذه الأعمدة مختبئة تحت الأرض إلى أنه تم الكشف عنها فى عام 1920م.
شارع الاعمدة :
وهناك شارع الأعمـدة ، الذى يمتد من موقع ساحة الندوة باتجاه شمال المدينة الأثرية، ويبلغ طوله حوالي 800 متر، وأرضه مرصوفة بالحجارة الصلدة، وتحيط به أعمدة شاهقة تتزين بالنقوش والتيجان.
ويوجد بمدينة جرش العديد من المدرجات والمسارح الرومانية القديمة ، فهناك مدرج في جنوب المدينة الأثرية، والآخر يقع في أقصى شمالها، وقد تم إنشاء هذين المدرجين لإقامة الإحتفالات الشعبية والدينية، ولإقامة الندوات والإجتماعات الكبيرة، وتم بناء المسرح الجنوبي في أواخر القرن الأول الميلادي، وهو عبارة عن مدرج روماني يستوعب 3000 متفرج، أما المسرح الشمالي فيستوعب 1500 مشاهد وكان مخصصاً للمبارزات ومصارعة الحيوانات المفترسة.
ويعود تاريخ بناء المسرح الجنوبي الى الفترة الواقعة بين 90-92م (اواخر القرن الاول الميلادي) اذ يدل على ذلك النقش اليوناني المكتشف في المسرح في فترة الامبراطور الروماني دومسيان والذي اغتيل من قبل زوجته التي مسحت اسمه من التاريخ نتيجة حقدها عليه.
وفى العصر الحديث تم استغلال المسرحين فى عرض الفعاليات الفنية والثقافية من مسرحيات وحفلات غنائية، حيث يستضيف المسرح الجنوبى كل عام مهرجان جرش للثقافة والفنون .
سبيل الحوريات:
ومن المعالم الأثرية الشهيرة فى جرش، سبيل الحوريات، وهو بناء يضم نوافير للمياة أقيم لحوريات الماء في أواخر القرن الثاني الميلادي. وهو عبارة عن حوض رخامي فخم من طابقين ويضم نوافير للمياه، ويزين الرخام الجزء السفلي من واجهاته البديعة بينما تزين أعلاها زخارف هندسية رائعة التكوين . وهناك معبد أرتميس ، الذى يعرف بـ معبد الالهة الحارسة للمدينة ، وتم إنشاؤه في القرن الثاني الميلادى. وعلى مقربة منه يوجد مضمار الخيل ، الذى يسمى أيضًا بالسيرك، حيث يقع إلى اليسار من بوابة هادريان، ويستخدم فى سباقات الخيل والعربات التى تجرها الخيول.