غزة – من جمال المجايدة : خلال زيارتي الاخيرة الي غزة قمت بجولة في قصر الباشا الواقع في الحي التاريخي بوسط المدينة العريقة .
ورغم انني من مواليد خانيونس الا انني لك اكن اعرف قصر الباشا الذي يعد اهم معلم أثري بارز في غزة . ولحظة الوصول الي مدخل القصر فوجئت باحد زملاء الدراسة يعمل هناك وهو الخبير والباحث الاثاري المعروف اسعد عاشور مدير متحف قصر الباشا في غزة ورحب بي ترحيبا حارا وبادر علي الفور بترتيب جولة خاصة لنا في القصر التاريخي الذي يقع بالقرب من المسجد العمري الكبير في البلدة القديمة
وقال عاشور انه يطلق علي القصر أحيانا قلعة نابليون وقصر النائب وقصر الرضوان وهو بناء ضخم من الحجر يعود الى العصر المملوكي سمى بقصر الباشا نسبة إلى الباشا الذي حكم غزة في الفترة التركية وقصر النائب وهو نائب غزة في العصر المملوكي وقصر الرضوان نسبة إلى الحاكم الذي حكم غزة في الفترة التركية وقلعة نابليون لأنه يقال أن نابليون بونابرت مكث في القصر ثلاثة أيام وهو في طريقه إلى عكا ولكن يقال أن الاسم الأدق هو قصر الباشا الذي يعتبر رمزاً للسيادة والحكم على مر العصور المختلفة.
ونحن نتجول في فناء ومحيط قصر الباشا الذي تزينه أشجار النخيل والزهور التي تحيط بالمكان وتعطيها الكثير من رونق التاريخ والحضارة. قال لنا مدير المتحف ان القصر هو عبارة عن مبنيين :المبنى الأول : هو الرئيسي، أما الثاني فيسمى الملحق له .
واضاف ” يرجع تاريخ المبنى إلى العصر المملوكي حيث تم تشييده ليكون مقر حاكم ولاية غزة التي امتدت في مناطق العريش وأم الرشراش والمجدل وأجزاء من بئر السبع وكان ذلك في عهد الظاهر بيبرس”.
واشار إلى أنه لا يوجد بالقصر أي لوحة تعريفية تقدم تاريخ دقيق لإنشاء القصر وتم التعرف عليه بأنه يعود للعصر المملوكي من خلال شعار الأسد الموجود على بوابة القصر حيث اتخذ منه الظاهر بيبرس شعاراً له.
وبيَّن أن نمط بناء القصر مملوكي وأن معظم مباني غزة الأثرية والإسلامية تعود للعصر المملوكي. وأشار إلى أن المبنى يتكون من جزءين ، وهما الشمالي الرئيسي والجزء الجنوبي الملحق. وأوضح أن الجزء الرئيسي يتكون من طابقين فكان الطابق الأول للباشا المكان الذي يستقر فيه. وجدير بالذكر أن المبنى يتميز بكثير من الزخارف الإسلامية سواء كانت هندسية الشكل أو رسومات مختلفة.
وعن الطابق الأسفل للجزء الشمالي قال اسعد عاشور : يتكون من 3 غرف كانت تستخدم لإدارة القصر وكان يحتوي المبنى على درج من خلاله يصل الجنود إلى سطح القصر لحمايته والدفاع عنه.
وقال عاشور اثناء الجولة / ويوجد سجنين بالقصر إحداهما للرجال ومساحته 6في 5 والأخر للنساء ومساحته 4في 2 وكان مظلمان ويحتويان على نوافذ صغيرة تكاد يدخل منهما الضوء أو بالأصح الهواء. وبالمقابل للجزء الرئيسي يتواجد ملحق القصر /.
في قلعة نابليون !
وعن سبب تسميته بقصر نابليون، أرجع عاشور ذلك إلى أن نابليون خلال حملته على مصر عندما توجه إلى بلاد الشام وحاصر عكا وفشل في حصارها وفي أثناء عودته إلى مصر مكث بالقلعة 3 ليالي فأطلق عليها قلعة نابليون. وبيَّنَ أنه في العهد البريطاني تم اتخاذ القصر مركزاً للشرطة مما عرَّض المكان للإهمال، وفي الإدارة المصرية لغزة تم جعله مكاناً لعمل إدارة مدرسة الزهراء الثانوية للبنات التي تجاوره بالمكان وتمت كذلك إلى أن جاءت السلطة الوطنية الفلسطينية وجعلته تابعاً لوزارة السياحة والآثار.
ويتميز قصر الباشا بجماله الأثري وأركانه التي تروي كل منها قصة تمتد لسنوات قد مضت في عصور قديمة.
وتشير الباحثة في علوم الآثار نبيلة مليحة إلى أن القصر بني في العصر المملوكي زمن القائد الظاهر بيبرس الذي استقر في غزة إبان خلاف الملكة شجرة الدر وعز الدين أيبك، قبل أن ينظم إلى الحاكم محمود قطز ويتحدا في مواجهة التتار والمغول، وهو ما تؤكده نقوش الأسود المحفور بداخلها لفظ الجلالة مرتين كرمز للخطر المحدق بالأمة وهو ما اتخذه بيبرس ختما وشعار عندما أصبح حاكم الدولة المملوكية.
وتتابع قائلة: بقي القصر يستخدم من قبل الولاة المماليك حتى نهاية دولتهم، وبقي قصرا للحكم في عهد الدولة العثمانية، حتى في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين كان مقر القائد العسكري، لكن بعد تولي الإدارة المصرية لشؤون قطاع غزة تحول إلى مدرسة كانت تعرف “بمدرسة الأميرة فريال ” أخت الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان، أما بعد الاحتلال الإسرائيلي أهمل المكان عن عمد وبقي احد أقسام المدرسة التي تحول اسمها إلى “فاطمة الزهراء”، وبعد قدوم السلطة عاد الاهتمام إلى هذا الصرح العظيم، وخضع للترميم على أيدي خبراء أثار أعادوا له طبيعته الأولى وسلطوا عليه الأضواء من جديد كأهم المباني التي لازالت قائمة وتشير إلى عراقة مدينة غزة وبصمتها في التاريخ الإسلامي.
متحف وطني !
تحول قصر الباشا حديثا إلى متحف، وباتت جدرانه وحجراته تتحدث عن نفسها لكل الزائرين عن قدمها وأسرارها، وباتت باحاته تحتوى مكتشفات أثرية جمعت من كل أماكن قطاع غزة لتعرض في هذا المكان، من البلاخية غرب المدينة إلى النصيرات فدير البلح جنوبا وصولا إلى تل زعرب الأثري على الحدود المصرية، عملات معدنية وألواح لتوابيت وأدوات زينة وفخاريات، كل صباح يفتح أبوابه للزائرين بشكل مجاني مع توفير مرافقة سياحية تروي لهم تاريخ المكان ومحتوياته، شارحين لهم تفاصيل الآثار التي يحتويها متحف قصر الباشا كما بات يعرف اليوم.
ويحتوي المتحف على خمس صالات عرض رئيسية أطلق عليها أسماء المدن الفلسطينية، في الطابق الأرضي قاعة حيفا ويعرض فيها المكتشفات اليونانية والبيزنطية، التي امتاز فيها العصر اليوناني بدقة مشغولاته حيث اشتهروا بميلهم للفنون والفلسفة، أما العصر البيزنطي امتاز بالعملية لكونهم فرسان اشتهروا بالحرب وفنونها.
قاعة يافا تحتوي على الآثار الرومانية التي شكلت الفخاريات الجزء الأكبر منها، وبجوارها تقع قاعة القدس التي احتوت على الآثار في العصور الإسلامية على اختلاف الممالك والدول، أما في الطابق العلوي هناك مكتبة المتحف وعلى صغر مساحتها إلا إنها تحتوي على مخطوطات وكتب تاريخية قيمة تخص المكتشفات المعروضة وغيرها الكثير، تقع أيضا في ذات الطابق قاعة عكا والتي تعتبر بانوراما المتحف حيث تتنوع معروضاتها بدا من العصر الحجري إلى البرونزي فالكنعاني ثم الحديدي وهي آثار موغلة في القدم وذات قيمة تاريخية عالية.
وأخيرا قاعة الرملة التي تعتبر قاعة المرأة لمحتوياتها التي تحكي قصة جمال المرأة على مر العصور، حيث يعرض فيها أدوات الزينة والحلي مصنوعة من البرونز والعاج، وقوارير زجاجية كانت تستخدم للعطور وتماثيل مصنوعة من الرصاص لاسود كانت تزين أبواب منازل الوجهاء والقادة.