لانا زكي نسيبة
تعود الدورة السنوية لأعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى سابق عهدها، حيث يحضر أكثر من 150 رئيس دولة وحكومة على رأس وفود من الوزراء والمسؤولين الدورة الـ 77 للجمعية، في أول اجتماع حضوري للجمعية منذ عامين، بسبب جائحة «كوفيد-19».
ويأتي المحفل العالمي هذا العام في مرحلة حرجة، يواجه فيها المجتمع الدولي تحديات غاية في التعقيد، بما في ذلك تغير المناخ، وتهديد الأمن الغذائي، وانتشار الحروب وأسلحة الدمار الشامل، والتي لكل منها تداعيات على أمن واستقرار وازدهار دول العالم كافة.
ويتطلب تعدد الأزمات العالمية في الوقت ذاته تعزيز منظومة الأمم المتحدة، لما لها من دور رئيس في تيسير التعاون الدولي تجاه توافق قوي يرتقي ليعالج تلك الأزمات ويؤسس لعهد جديد من العمل متعدد الأطراف.
في دورة هذا العام من الجمعية العامة، سيعمل وفد إماراتي رفيع المستوى، برئاسة سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، على مشاركة الوفود بخبرة وإمكانات ورؤية الدولة تجاه مد جسور التعاون والسعي الحثيث لتحقيق تقدمٍ ملموس في حل النزاعات بين الدول، وهي أولويات لطالما ارتكزت عليها سياستنا الخارجية، والتي اكتسبت أبعاداً جديدة منذ أن شغلنا مقعداً في مجلس الأمن في وقت سابق من هذا العام.
إن المبادئ التي تأسست عليها دولة الإمارات، تشكل عوامل قوة لإحراز التقدم المنشود في أولويات الأمم المتحدة، وأهمها إرساء السلام من خلال الحوار، وترسيخ قيم التسامح والتعايش، وتمكين النساء والفتيات، والاستجابة السريعة للطوارئ الإنسانية.
ولا شك أن تزامن عضويتنا في مجلس الأمن مع هذه اللحظة العالمية المفصلية، يستوجب توظيف مبادئنا في معالجة التحديات الكبرى للأمن والسلم الدوليين، وعليه فقد شاركنا بفاعلية وابتكار في مداولات المجلس حول المسائل كافة؛ من أوكرانيا وكوريا الشمالية إلى عمليات حفظ السلام وأنظمة العقوبات.
ولا يخفى علينا خطر احتدام الاستقطاب السياسي وتصاعد المنافسة بالنسبة للعمل متعدد الأطراف، والذي دفعنا للتركيز على وفاء مجلس الأمن بالوعود التي حملها منذ تأسيسه. وسنتبع النهج ذاته هذا الأسبوع ضمن أعمال الجمعية العامة، لنساهم في ضمان التقدم حيال الأزمات والتحديات الكبرى. كما سنشارك شركاءنا رؤية دولة الإمارات المستقبلية للشرق الأوسط لتحقيق السلم والأمن والازدهار على الصعيد الدولي.
علاوة على ما تقدم، إن فترة عضويتنا في مجلس الأمن هي مرآة الحكمة في المحافظة على المصلحة الوطنية عبر الدبلوماسية، والتي تسهم في الأمن الجماعي.
إن تصنيف مجلس الأمن، مليشيات «الحوثي» على أنها «جماعة إرهابية» لأول مرة أثناء تجديد نظام عقوبات اليمن في فبراير الماضي، يعكس إيجابيات هذا النهج، والذي يتجسد أيضاً في الاستراتيجية التي تعمل على تنفيذها الدولة في الأمم المتحدة، والتي تهدف إلى خلق الزخم بين الدول الأعضاء، والوصول إلى توافقٍ شامل حول تطوير المنظومة الدولية لمكافحة الإرهاب والتطرف. ورغم أن مجلس الأمن أسس هذه المنظومة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ولكن يتضح الآن ضرورة تحديثها لمعالجة التحديات الإرهابية الطارئة، لاسيما استغلال الجماعات الإرهابية للتكنولوجيا المتطورة في هجماتٍ عابرة للحدود.
وبشكل مماثل، أتى انعقاد المؤتمر الدولي للمرأة والأمن والسلام في أبوظبي، والذي كان الأول من نوعه في المنطقة، برعاية كريمة من سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية «أم الإمارات»، وبالشراكة مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة، ليجسد الروابط الوثيقة بين أولويات دولة الإمارات والشواغل والقضايا العالمية.
كما تؤكد ذلك دولتنا في مجال العمل المناخي كأول دولة في المنطقة تهدف للوصول إلى صفر انبعاثات كربونية بحلول 2050، في إطار تعزيز رؤيتها لدعم استخدام الطاقة النظيفة، بالإضافة إلى استضافتها مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في دورته الثامنة والعشرين COP28.كان قد مرّ خمسة عشر عاماً على قيام الاتحاد عندما شغلنا لأول مرة مقعداً في مجلس الأمن في عام 1986. كانت دولة الإمارات لا تزال دولة فتية، تشق طريقها نحو الساحة الدولية. واليوم، أصبحت دولة الإمارات مركزاً عالمياً للتبادل والعمل التجاري والابتكار في المجالات كافة، ومجتمع يسوده التسامح والطموح والإيمان بمستقبلٍ أفضل، وتظهر تلك السمات في عضويتها وعملها في الأمم المتحدة.
في الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، وطوال فترة عضويتنا في مجلس الأمن، سنواصل تحقيق الأفضل لشعبنا وشعوب العالم، من خلال بناء الجسور، وتعزيز التعددية، والدفع بالتعاون الدولي المستدام قدماً. ( الاتحاد)
مساعدة وزير الخارجية والتعاون الدولي للشؤون السياسية،
المندوبة الدائمة لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة