في فيلم The Gray Man “الرجل الرمادي” عدد من العناصر التي كانت تُشجع على مُشاهدته: منها انه فيلم مغامرات ضخم يضم عدد كبير من النجوم؛ على رأسهم الثلاثي “ريان جوسلينج” و”كريس ايفانز” و”آنا دي آرماس”، وهو من إخراج الأخوان “روسو”، وهما من أكثر المخرجين تحقيقاً للأرباح في هوليوود بعد المخرج “ستيفن سبيلبرج”، واستعانة “نتفليكس” بهما من أجل إنتاج فيلم أكشن ضخم، بلغت ميزانيته 200 مليون دولار، مؤشراً لرغبة الشبكة في تحقيق أرباح طائلة من شباك تذاكر دور العرض السينمائي لتعويض بعض خسائرها الاخيرة من اشتراكات المنصة، بالإضافة إلى أنه من الأفلام التي تضمن عدد كبير من المشاهدات حينما تعرضه المنصة لمشتركيها؛ فهو أذاً فيلم يبحث عن الذهب، ولكن هل يلمع كالذهب؟
يحكي الفيلم عن عميل يُدعى سييرا (6)، ذو ماضي غامض، يعمل ضمن فريق إغتيالات تابع لجهاز المخابرات الأمريكية، وهو فريق غير رسمي؛ لأنه ينفذ عمليات إغتيال خارج القانون، وينقلب عالم هذا العميل حينما يكتشف أن هدفه الأخير هو أحد زملائه في فريق سييرا، وأن المسؤول عن الفريق ويُدعى كارمايكل “ريجيه جان بيج” أمر بقتله لحصوله على أدلة مُسجلة على فلاشة تفضحه أعماله القذرة، وبحصول العميل (6) على هذه المعلومات ورفضه تسليم الفلاشة يتحول هو نفسه إلى هدف لفريق الإغتيالات الخاصة، التي تطارده في كل مكان في العالم.
يعتمد الفيلم على الأكشن المُفرط بصورة أساسية، وهو يحاول تقديم وجبة بصرية مُبهرة مُتلاحقة من المطاردات والعنف وتبادل إطلاق النار والإنفجارات والتشابك البدني والطعن وكل المشهيات التي تُثير إعجاب هواة سينما الأكشن، وجاء كل ذلك على حساب الحبكة؛ فهى مجرد كلاشيهات نمطية عن العميل شديد البراعة الذي لا يُقهر، صاحب الأداء البارد الغامض، وهو ويحمل داخله ولاء للعميل العجوز الذي دربه “بيلي بوب ثورنتون”، ومن أجل منح الأحداث الدموية لمسة إنسانية يتم تكليف البطل بحماية حفيدة مُدربه، وهى طفلة تُعاني من مرض في القلب، ولكن مضمون الفيلم الدرامي نفسه مُسطح للغاية؛ إننا أمام سلسلة من المطاردات المستمرة، بلا تفاصيل درامية متماسكة وأصيلة تمنح الشخصيات ملامح إنسانية ودرامية خاصة؛ والفيلم في مُعظمه أشبه بفيديو جيم للعبة أكشن ضلت طريقها ووصلت إلى شاشة السينما.
الأكشن نفسه يحمل لمسات بصرية جيدة، وحركة الكاميرا والكادرات تحمل بصمات الأخوان “روسو”، ولكنه يتجاوز الجرعة المقبولة لمبالغات مشاهد الاكشن؛ فالبطل يتحول إلى كائن شبه خارق، وهو يمتلك حظ أسطوري ينجيه من عشرات المواقف التي يقترب فيها من حافة الموت، وبينما ينجو البطل من الرصاص الكثيف والصواريخ والإنفجارات والطعنات تقوم مجموعات الإغتيال التي تُطارده بإستخدام عدد هائل من الأسلحة الضخمة والمركبات العسكرية من أجل الفتك به، ويتم ذلك بأريحية شديدة داخل شوارع عدة مدن أوربية، ودون دعم من السيناريو لتبرير وجود فرق مُسلحة أجنبية تتقاتل بشراسة، وتفتك بالشرطة المحلية باستخفاف وسهولة.
يضم الفيلم كثير من الشخصيات يؤديها مجموعة من نجوم التمثيل، على رأسهم “كريس إيفانز”، ويقوم بدور العميل شديد القسوة، المكلف بعملية إسترداد الفلاشة والتخلص من رقم (6)، وهو كالمتوقع عميل شديد الغرور والغطرسة، ولا يأبه بالقوانين، ويقتل حينما يغضب وحينما يرتبك وحينما يشعر بالملل، ويُطلق النار على أعدائه وعلى رفاقه والمُتعاونين وعلى أى شخص يقف في طريقه بلا تمييز، وهو صورة سينمائية شديدة النمطية للشرير الأحمق، ورغم إجتهاده في تقديم الشخصية، لكن الملامح الدرامية الباهتة للشخصية وغياب تفاصيل تاريخها لم يجعل لها خصوصية، وهذا ينطبق على شخصية رقم (6) ومشاهد ماضيه مع قسوة والده؛ فهى مشاهد خاطفة وسريعة وبالكاد سيتعرف المشاهد على هوية الممثل المعروف “شيا ويجهام” الذي قام بدور الأب، وقام الممثل البرازيلي “فاجنر مورا” المعروف بدور بابلو أسكوبار في مسلسل Narcos بدور صغير، وكذلك الممثل الهندي المعروف “دانوش”، وهي أدوار عادية تُساهم فقط في الترويج للفيلم في دول مختلفة، وتبرز من باقي الأدوار “آنا دي أرماس” التي تُجسد دور العميلة “داني ميراند”، زميلة رقم (6) ومُتعاطفة معه رغم شكوكها في نواياه، ودورها لا يحمل أى عمق وسطحي، وهو شغل لمساحة صديق البطل الذي يتدخل لإنقاذه في بعض الأحيان ذراً للرماد في العيون؛ وحتى يخفف الفيلم من حالة الأسطورية الخارقة التي تجعله لا يُقهر.