ستوكهولم / د.جمال المجايدة
اقلعت بنا الرحلة الاولي لطائرة الخطوط الجوية الاسكندنافية /ساس/ من مطار دبي الي كوبنهاغن في زمن لم يتجاوز الست ساعات, ومن هناك الي مطار ارلانا في السويد الذي كان مزدانا بلافتات جميلة كتب عليها / ستوكهولم عاصمة اسكندنافيا / ويبدو ان هذا الشعار الذي لم يعجب بقية الدول الاسكندنافية / النرويج والدنمارك / كان امتدادا لاحتفالات السويد الشعبية بمناسبة مرور 750 عاما على بناء مدينة ستوكهولم.
من المطار الي فندق ردايسون المطل علي الميناء الرومانسي وسط العاصمة ستوكهولم انقضت المسافة بسرعة لان الزائر يحملق يسرة ويمنة لكي تقع عيناه علي ماهو جدير بالزيارة عقب الوصول.
لقد تجولت لمدة ساعتين مشيا علي الاقدام في العاصمة المشيدة علي 14 جزيرة ولم اتعب ولكني كنت مضطرا للعودة الي الفندق لتناول العشاء الذي اعدته شركة /ساس/ في مطعم تاريخي في الحي القديم من المدينة يعرف باسم / 1722 / ولما سألت المضيف عن اسباب التسمية قال / لاحظ لون العالم الابيض المعلق علي واجهة المطعم وعليه الاسم 1722 وهذا يعني تاريخ معاهدة السلام بين السويد وروسيا بعد عقود من الحروب وفي هذا المطعم تناول الفرقاء الطعام ووقعوا اتفاق السلام الذي مازال ساري المفعول حتي الان /!
تناولنا الطعام في القاعة ذاتها التي شهدت الحدث التاريخي وهي عباره عن كهف يصل اليه الزوار عبر سلم حلزوني صغير وقال لنا مسؤولو المطعم انه شيد قبل اكثر من 600 عام.
في اليوم التالي تجولنا في المدينة الجميلة برفقة مرشده سياحية , وروت لنا
أن قرب بحيرة مايلار المقابلة لبحر البلطيق. ويعد عام 1252 أول سنة ظهر فيها اسم ستوكهولم في الوثائق التاريخية. وتعد هذه المدينة مركزا دوليا للتجارة والاتصالات بسبب موقعها المتميز على الساحل الشرقي.
ستوكهولم تنام على 14 جزيرة
شيدت ستوكهولم على 14 جزيرة ويربط بين هذه الجزر حوالي 50 جسرا. وستوكهولم مدينة جميلة وحضارية مليئة بالحدائق، ويطلَق عليها بندقية الشمال، نسبة لمدينة البندقية في إيطاليا حيث تتخللها القنوات. وهي مدينة فريدة في أوروبا، إذ يمتزج فيها فن العمارة القديم الذي يرجع إلى القرون الوسطى والحديث الذي يتمثل في ناطحات السحاب المشيدة من الزجاج والفولاذ.
وتنتشر حول مدينة ستوكهولم آلاف الجزر الصغيرة، وتكون في ما بينها منظرا طبيعيا رائعا. ومن أشهر الأماكن السياحية في ستوكهولم، القصر الملكي السويدي ومتحف فازا.
يتكون القصر الملكي من حوالي 600 غرفة، وقد شيد على مراحل في الفترة من عام 1697 إلى عام 1754، وهو على الطراز الإيطالي. وفي داخل القصر زرنا متحف الأسلحة الملكية وكذلك معرض مجوهرات التاج السويدي، التي استخدمت في تتويج الملوك والملكات.
مركز الفن والثقافة في اوروبا!
زائر مدينة ستوكهولم يكتشف ان هذه العاصمة هي أحد مراكز الفن والثقافة في القارة, فمنها تنطلق بداية الشهر الأخير من كل عام فعاليات توزيع جائزة نوبل. وتشهد المدينة وقتها حركة غير اعتيادية حيث يتوافد عدد من رجالات العلم والأدب والفن وعائلاتهم من أماكن مختلفة من العالم ليحلوا ضيوفا على بلدية ستوكهولم ومؤسسة جوائز نوبل. وتوزع الجوائز في ميادين الأدب الطب والفيزياء والكيمياء والاقتصاد
من يأتي الي عاصمة الحب والجمال، وعاصمة الفن والحرية والديمقراطية لا يرغب ان يفارقها يعشقها ، مدينة الكاتب المسرحي الكبير اوغست ستريندبيرغ والمسرح الحميمي تغوص في اعماق العاصمة فتجد وسائل الراحة والمتعة والزاد الثقافي بدءا من البيت الثقافي وما يحويه من مسارح صغيرة وكبيرة ومسارح للرقص الحديث ومكتبات للكبار والصغار، وفرقة مسرح مدينة ستوكهولم وعروض مسرح الريبرتوار والذي يتميز به المسرح السويدي.
وكذلك كل فنون التجريب المسرحي الاوروبي والمسرح الاستعراضي ودار الاوبرا الملكية واوبرا الشعب عروض مستمرة طوال السنة وكذلك دعوة فرق عديدة من كل اوروبا لتقديم عروضها في ستوكهولم، ففي العاصمة السويدية ستوكهولم هناك احصائية تقول هناك 165 قاعة وفرقة مسرحية. وبناية مسرح الرقص في ستوكهولم تستضيف جميع الابداعات الراقصة وفرق البالية من جميع انحاء العالم وكذلك تقام فيها عروض لافلام سينمائية متميزة عالميا لها علاقة مباشرة بالرقص الحديث. اما الجانب الرائع لفرقة المسرح الوطني واقامة مهرجان ايام المسرح السويدي ودعوة جميع فرق المحافظات في ستوكهولم واقامة الندوات والحلقات الدراسية في عالم المسرح.
والشيء المبهر والمدهش هو بناية المسرح الملكي بكل قاعاتها وعروضها المميزة هناك تلتقي بكل النجوم في المسرح والسينما ويصادفك الملك او الملكة او رئيس الوزراء وكل الشخصيات والنجوم وهم من رواد المسرح السويدي.
وفي ستوكهولم هناك في كل شارع وفي كل بناية ومنطقة سكنية هناك فرقة مسرحية وكثرة المسارح، والثقافة في الشتاء مثل سقوط الثلج لا يستطيع المثقف الا ان يحيا تحت سقفهما ويا لكثرة المهرجانات الثقافية والمسرحية والموسيقية والبالية والاوبرا والرقص الحديث والعروض السينمائية كل بلدان العالم تجتمع في ستوكهولم من افريقيا ـ وامريكا الشمالية والجنوبية، ومهرجانات المسرح الاوروبي، والمسرح الروسي.. والصفة الجميلة والمميزة في انسانية المسرح واحترام الجمهور للفنان والعكس صحيح، في كل عرض مسرحي نجد السجادة الحمراء مفروشة للترحيب واستقبال الجمهور لمشاهدة المسرحية اعتزازا باليوم الاول للعرض.
وتستقبل ستوكهولم كل الابداعات المسرحية المدهشة في المسرح الانكليزي سنويا والمسرح الايطالي والفرنسي واليوغوسلافي، والروسي، والالماني، والبلجيكي، والبولوني، فعلي سبيل المثال المسرح الشرقي تعرض فيه كل تجارب وموسيقي الشعوب العربية والهندية ومن افريقيا، باليه، اوبرا، رقص حديث، وتصل احيانا الي اكثر من 150 عرضا منوعا وليست لي القدرة ولم استطيع الكتابة عن جميع العروض ووصفهما فقط بالكلمات ففي المسرح السويدي نجد كل عروض مسرح الريبرتوار بدءاً من ستريندبيرغ، شكسبير، ابسن، ميلر، موليير، تشيخوف, بيراندلوا، داريوفو، تنسي وليام، هارولد بينتر، لارس نورين، مكسيم غوركي، دستويفسكي، توفيق الحكيم، كافكا، لوركا، وتشجيع الكتاب الشباب وتقديم عروضهم. وهناك تجارب المخرجة ايفابرغمان ابنة المخرج الكبير انغمار برغمان من خلال تجاربها الاخراجية وتقديم عروض مسرحية مع فرق عربية وكتاب عرب وتقديم عرض مسرحية في اللغتين السويدية والعربية.
البلدة القديمة /
يصل عدد سكان استوكهولم التي تأسست في القرن الثالث عشر الى حوالي 1،6 مليون نسمة بما فيها منطقة العاصمة المتحضرة. وتحتضن منطقة غاملا ستان أو البلدة القديمة التي يعود إنشاؤها الى القرن السادس عشر وحتى التاسع عشر تحتضن تشكيلة من المطاعم والكافتيريات والمتاحف والفنادق والمتاجر بالإضافة الى القصر الملكي.ويزور العديد من السياح متحف فازا الذي يضم السفينة الحربية الملكية التي تحمل الاسم نفسه وبنيت في القرن السابع عشر وغرقت في العام 1628 وتم انتشال حطامها في العام 1961 ويستحق الزيارة أيضاً متحف اسكانسين أقدم وأضخم متحف مفتوح في العالم والذي تكمله حديقة تعرض الحيوانات الموجودة في السويد. ويلاصق حديقة غروتا لاند الترفيهية متحف اسكانسين. ومن أماكن الجذب منزل النحات كارل ميليز ومنزل الأمير أيوجين الذي عرف بالأمير الرسام واللذان عاشا في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.ويأخذك قلب استوكهولم حاضنة التاريخ والفن والتسامح والمعروف ب غاملا ستان الى عمق التاريخ ليس فقط عن طريق القصر الملكي أو الكاتدرائية أو المباني التاريخية ولكن لأنها تحمل لمسة من الأيام الخوالي الجميلة، وأزقة صغيرة تصطف على جوانبها محال الحرف والمشغولات الصغيرة بالإضافة الى القيام برحلة في مياه البحر. وكانت المحافظة على الطبيعة تحظى دائماً بأهمية كبيرة عند سكان استوكهولم وأدى ذلك الى ايجاد العديد من المنتزهات والحدائق النباتية التي يقصدها المتنزهون.
ومن المعالم الرئيسة في العاصمة الجميلة كنيسة ديدار هولم التي يزيد عمرها على 700 عام وهي المكان الذي تتم فيه زيجات ملوك السويد وما زالت، وتحتوي أيضاً على قبور الراحلين منهم ايضاً”.
وكذلك عرين الرياضة الكروي الذي يصل ارتفاعه الى 90 متراً شكل كرة الجولف ويضم أضخم مقر للألعاب في السويد ويوفر أنواع التسهيلات الرياضية. ويشتمل المجمع على ثلاثة مبانٍ مهيبة أخرى تستخدم جميعاً كمعارض.
يدهش الزائر ايضا لمشاهدة برج قاعة المدينة ,ويوفر البرج الشاهق الذي يشق عنان السماء منظراً بانورامياً رائعاً للمدينة التي يطل عليها ويقع قرب وسطها. وتم بناء هذا البرج بين عامي 1911 و،1923 ويمثل الحركة الرومانسية في الفن المعماري السويدي. ويوجد بين قمم أبراجه الحادة التي استخدم المهندسون 8 ملايين طوية بناء في إنشائها، العديد من المكاتب وغرف الاجتماعات وقاعات المآدب. وبإيحاء من أسلوب بناء قصور عصر النهضة اقتبس المهندس المعماري وأخبر أوشمبيرغ لتصميم ذلك البرج بحيث تكون له اطلالة على ميدانين فسيحين.
اما متحف ميلز غارون الذي أقيم هذا المتحف على شاطئ واحدة من الجزر الكبرى وهي ليدنيغو التي تطل على مناظر خلابة للمدينة وتعرض بداخلها اللوحات كما تعرض خارجها التماثيل التي لا تنسى أبداً وهي من أعمال كارل ميلز ومن المقتنيات التي قام بجمعها.
الغذاء في فازا موسيت!
تناولت طعام الغذاء في شرفة مطلة علي البحري داخل متحف فازا الذي أقيم خصيصاً لتعرض به سفينة فازا الحربية التي بنيت بأوامر من غوستافس أوولفوس.
وقالت لنا مديرة المتحف اثناء جوله داخله انه في العام 1628 لتكون أكبر وأفضل سفينة حربية في العالم وكانت غير متوازنة على ما يبدو فغرقت في أول رحلة لها.
ويعرض في داخل السفينة صور لانتشالها من قاع البحر والعمل الذي تم لإصلاحها واعادتها الى سيرتها الأولى بالاضافة الى عرض صور للحياة في البحر.
غير أن ما يلفت الانتباه هو السفينة نفسها ويسمح كذلك بالتقاط الصور وتبدو السفينة عظيمة تحمل جدرانها مناظر فخمة محفورة في الخشب. وذوّد المتحف بمصاعد تمكن الزوار من مشاهدتها من مستويات مختلفة.
الاقامة
لاحظت اثناء زيارتي انه من السهل الحصول على مكان جميل ومنخفض التكلفة للاقامة في استوكهولم على الرغم من أنها راقية في أسلوب معيشتها وأسعارها. وسيجد الزائر فيها ومن دون عناء غرفاً خاصة وخدمات الغرف الفندقية في مقابل الفنادق الفخمة وفنادق الدرجة الأولى .
أفضل الطرق للتجول في المدينة
أفضل طريقة لاستكشاف استوكهولم هو المشي ويستغرق العبور وسط المدينة حوالي 25 دقيقة ناهيك عن فائدة المشي في التعرف الى المناطق بطريقة أفضل وعلى وسط المدينة الذي يضل الزائر فيه طريقه بسهولة. أما المناطق الأبعد فتحتاج لاستخدام المواصلات العامة التي تغطي المدينة من أقصاها الى أقصاها. ويشمل هذا النظام شبكة قطارات وحافلات وقطارات أنفاق ضخمة توصلك الى أي جزء في المدينة.
ويعتبر قطار الانفاق /تانل بانا/ من أسرع وسائل المواصلات ويخدم المدينة في ثلاثة خطوط رئيسية. أما الحافلات فهي أقل كفاءة نظراً لأن المدينة مؤلفة من جزر وتخصيص وسط المدينة للمشاة فقط وتصل العبّارات البحرية الجزر بعضها ببعض.
ويجد الزائر مراسي للعبارات البحرية في شمال شرق وجنوب شرق المدينة من الداخل. ولا يمكنك الاطمئنان أنك زرت السويد إذا لم تجرب الرحلة البحرية في قنال كوتا الرائعة. وتمتد تلك القنال المائية أميالاً عدة وتمر عبر عشر بحيرات وبحر داخلي واحد على الأقل.
وتجوب السفن البخارية ذلك الشريط المائي الأزرق بكفاءة عالية لتوفر المناظر الخلابة للبيئة المحيطة للزائرين والتي تتكون من المراعي والقرى القديمة والقلاع والأديرة أنها طريقة ممتعة للوصول الى غوتبيرغ من ستوكهولم وبالعكس طبعاً.