بادن بادن – المانيا – د.جمال المجايدة:
زيارة بادن بادن صيفا تجعلك تعيش لحظات هي اقرب الي السعادة والهدوء وراحة البال ، فالطبيعة الجميلة في تلك المدينة الوادعة في حضن الغابة السوداء بجنوب غرب المانيا تجعل الزائر لايشعر بمرور الوقت وقضاء العطلة خاصة في موسم الصيف !
وتتميز المدينة بجمال مبانيها التي تشعر الزائر بانه يتجول في متحف للفنون القوطية والباروكية القديمة كما ان اللافت هو هدوء شوارعها الصغيرة من زحام السيارات اذ تحظر قيادة السيارات في وسط المدينة، حيث تزخر هذه المنطقة بالعديد من المباني الأثرية التي يرجع بنائها إلى العصور الوسطى. ويضم وسط المدينة العديد المطاعم والمقاهى العريقة .
ورغم شهرتها السياحية يُعرف عن بادن بادن أنها مدينة المصحات والاستجمام بالدرجة الأولى. وتعتبر مصحات مورغ وبادهورنالب وفيلدباد وليبزيل من اشهر مصحات بادن بادن المعروفة بمائها المعدني وحماماتها الحارة، التي تستمد مياهها المعدنية من الجبال.
وتشتهر بادن بادن بالأوركسترا التي يرجع تأسيسها إلى قرون عدة. وكثيراً ما لعبت هذا الأوركسترا دور السفير بالنسبة لمدينة بادن بادن داخل وخارج ألمانيا، وذلك من خلال الموسيقى والسيمفونيات الساحرة، التي تقدمها منذ مئات السنين. ولعل أجمل اللحظات على الإطلاق هي تلك التي تمر على السائحين وهم يسمعون بالمجان موسيقى في شوارع المدينة أثناء فصل الصيف!
في الغابة السوداء!
ومن يزر بادن بادن يجد نفسه تلقائيا في احضان الغابة السوداء والتي يطلق اسمها على المنطقة الواقعة بها مدينة بادن بادن، في جنوب غرب ألمانيا. ومن المعروف عن جنوب ألمانيا أنه يضم أجمل المناطق الطبيعية المحمية في أوروبا، التي تجتذب الناس من شتى أنحاء المعمورة صيفاً وشتاءً، وذلك من أجل قضاء العطلات أو زيارة العيادات الصحية ومصحات العلاج الطبيعي. وتتميز هذه المنطقة بوجود بحيرات وشلالات وجداول مائية ومراعي خضراء واسعة تتداخل مع الغابات خاصة في الركن الجنوبي من الغابة السوداء المحاذي لسويسرا. ولهواة المشي والدراجات الهوائية نصيب كبير في الغابة السوداء، إذ حرصت السلطات المعنية في هذه المنطقة على توفير الطرقات البرية الطبيعية، والتي تخترق الغابات والمراعي وتعرف بـاسم “فالد فيغ”. وتضم الغابة السوداء مئات القرى الصغيرة وعدد لا بأس به المدن التي كثيراً ما ذكرت في التاريخ الألماني على غرار شتوتغارت ووفرايبورغ وبادن بادن .
السماء تلامس الجبال!
علي امتداد البصر، في الافق البعيد حيث تكاد السماء تلامس الجبال لنا موعد مع واحدة من أجمل البقاع الطبيعية في العالم: الغابة السوداء التي سميت كذلك لكثافة أشجارها التي يميل لونها إلى السواد أكثر منه الى اللون الأخضر.
لا يوجد هناك منطقة أخرى توفر لك الراحة والاسترخاء في ألمانيا كما تفعل الغابة السوداء. فهي تنقلك بعيداً عن الزحام وضجيج المدن الى رحم الطبيعة حيث الهدوء الذي لا يكاد يعكر صفوه سوى زقزقة العصافير وأصوات شلالات المياة المنحدرة من كل صوب وحدب. وقد اكتشف الشعراء والادباء سحر الطبيعة هناك، فكانت هذه البقعة دوما مصدرا للالهام، فكتبت الكثير من القصائد وألفت روائع القصص. وما يزال الكثير من الادباء يبحثون حتى يومنا هذا عن خلوتهم الشعريه في مناطق الغابة السوداء الغنية بالبحيرات والانهار والوديان والجبال الشاهقة
تقع الغابة السوداء في المنطقة الجنوبية الغربية من ألمانيا على الحدود الفرنسية السويسرية. وتمتد على طول 160 كيلومتراً، وبعرض 20 كيلومتراً في الشمال وأكثر من 60 كيلومتراً في الجنوب. وتبلغ قمم الجبال فيها ارتفاعاً يصل إلى 1166 متراً في الشمال وإلى 1493 متراً في الجنوب. وفي الغرب تنحدر الغابة السوداء بشكل حاد باتجاه نهر الراين حيث تصل بالكاد إلى ارتفاع 200 متراً. أما شرقاً فتصل التلال المكسوة بالأحراج نحو واد نهر النيكر ولا يزيد ارتفاعها هناك عن 600 متر
لم تحظ منطقة الغابة السوداء باهتمام القطاع السياحي لفترة طويلة وكانت تعتبر من المناطق الفقيرة اقتصاديا في ألمانيا، ما جعل معظم سكانها يتجهون للعمل في حراسة الغابات أو امتهان الحرف كصناعة الزجاج أو صناعة الساعات الخشبية المعروفة باسم ساعات الكوكو (عصفور يخرج من داخل الساعة ويغرد مع مرور كل ساعة). ومع مرور الوقت ورغبة الالمان في النزوح بعيدا عن ارهاق العمل، عملت شركات سياحية ضخمة على الاستثمار هناك، فبنيت مراكز عديدة ومتنوعة للاستجمام والسياحة الشتوية واصبحت هذه المنطقة تقدم لزوارها في شتى الفصول العديد من الرياضات المنوعة كالتجول في الغابات وركوب الخيل وسباق الدراجات، بالإضافة إلى الرياضات الشتوية مثل التزلج والتزحلق على الجليد. كما يجد الزائر على جانب القرى الحالمة والجبال الهادئة والسهول الخضراء مصايف الاستجمام وحمامات المياه المعدنية التي ياتيها المرضى للعلاج واللاسترخاء من كل مكان.
قلاع تاريخية!
تاريخياً يجد المرء في ربوع الغابة السوداء الكثير من القلاع والكنائس القديمة التي تعود إلى العهد القوطي مثل كاتدرائية فرايبورغ بالإضافة إلى العديد من القصور والمتاحف التي تعكس التاريخ الذي شهدته هذه المنطقة بالذات. وقد حافظ سكان الغابة السوداء على الكثير من العادات والتقاليد، ففي يوم الأحد يخرج الناس في مجموعات للتجول في الغابات مرتدين ملابسهم التقليدية القديمة صابغين الغابة السوداء بشيء من الألوان. وتعد مدينة فرايبورغ من أكبر المدن الواقعة في السفح الجنوبي للغابة السوداء وسهل الراين الذي يتميز بجماله وسحر مناظره الطبيعية. وتعتبر هذه المدينة الجامعية احدى أجمل المدن الالمانية، وهي تضم جامعة عريقة يأتي اليها الطلبة الاجانب باعداد كبيرة
في وادي الراين
صحيح أن منطقة الراين مشهورة بصناعتها الثقيلة، غير أن واديها من أجمل مناطق ألمانيا والعالم. وهذا الوادي ليس فقط قبلة للشعراء والفنانين وإنما لمئات الآلاف من الزوار.
لا يعد وادي الراين الممتد بين منطقتي كوبلنز ورودس هايم أحد أجمل المناطق الطبيعية في ألمانيا فقط، بل وفي العالم كذلك. يتميز الوادي بمناظره الخلابة وقلاعه المطلة على نهر الراين إضافة لكروم العنب التي تجذب السياح منذ قرون عديدة. وقد اكتشف الأدباء والشعراء والرسامون روعة الوادي قبل عدة قرون. وفي القرن التاسع عشر تحوّل إلى رمز للجمال والثقافة، وهذا ما تشهد عليه الأغاني والرسوم والأعمال الأدبية والشعرية التي أنجزها فريدريش هولدرلين وكليمنس برنتانو وغيرهم من الشعراء والأدباء والفنانين الألمان البارزين .
قصور و قلاع عريقة يعود تاريخ بناء الكثير منها إلى القرنين الثالث و الرابع عشر الميلادي، ويتسنى للزائر اكتشاف العشرات منها إلى جانب الأطلال المتناثرة على طول الوادي. وفي الوقت الذي تعود فيه ملكية العديد منها إلى أشخاص عاديين، تم تحويل عدد آخر إلى متاحف يؤمها الزوار. ويتخذ اتحاد القلاع الألمانية من قصر هونن، وهو احد القصور القديمة التي بقيت على حالها حتى اليوم مقراً له. ويتم استغلال العديد من القصور و القلاع و الكنائس الأخرى لتقديم العروض الموسيقية.
تتمثل رومانسية وادي الراين في صخرة ارتفاعها 132 متراً وتقع على الشاطيء الأيمن للنهر بين “سان جوار” و”أوبرفيسل” وتعرف باسم “لورالاي”. وترمز الصخرة إلى أسطورة تدور حول فتاة جميلة وساحرة اسمها لورالاي خلدها الشاعر برنتانو حوالي عام 1800. وتقول الأسطورة أن الساحرة كانت تضلل الرجال والبحارة الذين يعبرون النهر وتقودهم إلى الهلاك. ونظراً لعدم سعادتها بهذه اللعنة السحرية عمدت الى الانتحار بإلقاء نفسها من قمة الصخرة في مياه النهر. ويعتبر الموقع أحد المعالم الهامة التي تدخل ضمن برنامج الزيارات الرسمية، كما يزوره نصف مليون سائح سنوياً .
وانطلاقاً من أهمية الحفاظ على التراث الثقافي في منطقة الراين قامت اليونسكو بإدراج الوادي في قائمة التراث الثقافي العالمي. وعلى ضوء ذلك يأمل المعنيون في زيادة الاهتمام بالوادي وصيانة معالمه. كما يأملون بتكثيف الجهود الرامية لمكافحة التلوث الذي لحق به بفعل الأضرار التي نتجت عن الصناعة خلال العقود الماضية .