( غراند دو بلاس ) تجمع السياح من كل انحاء الدنيا بروعتها الجمالية الهندسية والمقاهي المنتشرة حولها
بروكسل – د.جمال المجايدة :
زرت بروكسل عدة مرات في كل الفصول . وكم كان صيفها هادئا وشتائها باردا, بروكسل الانيقة تبدو مدنية جميلة هادئة في الليل والنهار , وقلما تزعج زائرها , يوم وصولي اليها في المساء الشهر الماضي تجولت مع اصدقاء في المدينة القديمة والتنزه في بروكسل ليلا له طعمه
الخاص , فالمطاعم المتخصصة في الماكولات البحرية تضفي بهجة والسهر فيها يمتد الي منصف الليل وحولك الناس ساهرين يتسامرون بهدوء ايضا!
صحوت في اليوم التالي لمواصلة استشكاف المدينة , الجو كان مشرقا والمطر يتساقط بهدوء وخفة , علي الوجنات الجميلة , تتراقص العيون الزرقاوات في اكثر من اتجاه لمتابعة حركة الناس والحياة في رحلة علي الاقدام في وسط بروكسل ومعالهما التاريخية .
كما ان معالم بروكسل الجميلة تسلب الوقت والعقل والمال احيانا ومايراه الزائر من معالم تاريخية واثار وتماثيل وحدائق تجسد حضارة بلجيكا علي مر الزمن يجعله يعيش لحظات عريقة في متحف للتاريخ.
قلب السياحة الاوروبية :
القيام برحلة الي بلجيكا يؤكد للزائر ان تلك الدولة هي بصراحة قلب السياحة الأوروبية ، لانها تقع علي مفترق طرق حضارات أوروبا العجوز وقلبها النابض بالحياة، يتمركز هذا البلد الصغير في موقع استراتيجي هام على الصعيد الجغرافي والسياسي والاقتصادي. أما على الصعيد السياحي، وحسبما قال لنا مسؤولين من هيئة السياحة التابعة لمدينة بروكسل وهما بينوت هلينغز والانسة كاثرين داردين , قالوا : يمكن لأي سائح أن يجعل من بلجيكا نقطة انطلاقه المركزية بجميع اتجاهات أوروبا الغربية فقد يبدأ بإفطار في “بروكسل” أو “لياج” قبل أن يستقل سيارته باتجاه امستردام أو باريس حيث يشرب قهوة العاشرة ليتناول بعدها غدائه في لندن أو ألمانيا ويشرب شاي العصر في بوردو وينهي جولته بعشاء في براغ أو ميلانو، قبل العودة إلى بلجيكا في نفس الليلة.
وإن كانت بلجيكا تشكل نقطة انطلاق استراتيجية للسياحة في أوروبا فهي أيضا الوجهة السياحية المفضلة لدى الأوروبيين أنفسهم الذين يتوافدون عليها بأعداد كبيرة وفي مختلف فصول السنة. كما تستقطب بلجيكا السياح من مختلف أنحاء العالم لما تمنحه من مميزات خاصة، فهي تختزل ببساطة كل ما يتوقع الزائر أن يجده في القارة الأوروبية، فعبر قرون طويلة عرف البلجيكيون كيف يأخذون أفضل ما قدمه العالم من حولهم وبفضل انفتاحهم على الخارج وقدرتهم على إدماج التقاليد الأجنبية في طريقة حياتهم، أصبحت بلادهم أرضا غنية بالثقافات المتنوعة تحلو الحياة فيها للجميع، ففي بلجيكا تجد المكتبات الألمانية والمشروبات الفرنسية والأوبرا الإيطالية والمصارف البريطانية والعرائس الروسية والقطع الأثرية الدانمركية والبهارات العربية ومطاعم السوشي اليابانية والسيارات السويدية والصحف اليونانية.
بعد الغذاء تجولنا في ساحة المدينة ( غراند دو بلاس ) التي تجمع السياح من كل انحاء الدنيا لعراقتها وجمالها علي مدار العام وروعتها الجمالية الهندسية والمقاهي المنتشرة حولها تثير شهية الجلوس لاخذ قسط من الراحة بعد الجولة الطويلة!
السحر البلجيكي :
الحديث عن بروكسل العاصمة العريقة لبلجيكا يقودنا للحديث بالطبع عن مملكة بلجيكا تمتد علــى مســاحــة قدرهــا 30520كلم مربع في شمال شرق أوروبا حيث تحدها هولندا شمالا وكل من لوكسمبورغ وألمانيا شرقا، وبحر الشمال غربا، أما من الجنوب فتجاورها فرنسا. ورغم صغر مساحتها، تتسع بلجيكا لعشرة ملايين نسمة بكثافة سكانية تقدر بـ 336 نسمة في الكلم المربع الواحد. وان كانت هذه الكثافة السكانية تعتبر الأكثر ارتفاعاً في أوروبا، فإنها تختلف من منطقة إلى أخرى حيث تقدر بمعدل 50 نسمة في الكلم المربع الواحد في غابات الأردان، في حين تضم بروكسل 10 بالمائة من العدد الإجمالي للسكان.
يعيش في الجزء الشمالي من بلجيكا , المعروف بمنطقة الفلاندر 5.8 مليون نسمة يتكلمون اللغة الهولندية، وفي الجنوب تقع منطقة الوالون التي يعيش فيها نحو 3.2 مليون نسمة يتحدثون اللغة الفرنسية. وبين المنطقتين،
ولان بلجيكا تتمركز في قلب أوروبا، يسهل الوصول إليها عبر جميع خطوط المواصلات، وهي تضم العديد من المطارات المحلية والدولية والعديد من الموانئ أيضا مثل ميناء الأنفار وميناء زييبروج وميناء الاوستاند. كما يمكن الوصول إليها برا عبر شبكة الطرقات السريعة الكثيفة التي تحظى بها، بالإضافة إلى شبكة سكك الحديد الواسعة.
تزخر بلجيكا بتنوع مدهش من المزايا السياحية بالرغم من صغر رقعتها الجغرافية ويكفي أن العاصمة بروكسل لوحدها تعد مدينة الأعمال والفن والثقافة على مستوى العالم. أما منطقتي الفلاندر والوالون فتضم بدورها مدن تختزن ثروات ثقافية لا تعد ولا تحصى وتعتبر أعاجيب معمارية وتاريخية فريدة.
بروكسل عاصمة» أوروبا . ومهما قيل او كتب عن بلجيكا تظل تلك الدولة الوادعة الصغيرة واحة للحرية والديمواقراطية وارضا للجمال والتسامح في وسط اوروبا وتغري المرء بزيارتها اكثر واكثر , دون ان ادري لماذا ؟ ربما هو السحر البلجيكي الذي ياخذ الالباب دوما !
وجه اخر لبروكسل!
لم تكن تلك الزيارة هي الاولي لي الي بروكسل , فقد زرتها عدة مرات الاولي كانت في العام 1987وكانت بصراحة اكثر هدوئا واكثر رومانسية , ربما اليوم هي كبرت وانا كبرت ولم تعد للرومانسية خانة في التفكير العقلاني الواعي . تقع بروكسل التي تضم نحو مليون نسمة يتكلمون الفرنسية والهولندية. كما تتحدث أقلية في شرقها مثل لياج ولوكسمبرغ اللغة الألمانية حيث تعتبر هذه اللغات الثلاث لغات رسمية في بلجيكيا.
وتعتبر بروكسل عاصمة ثلاثية فهي أولا عاصمة الدولة الفيدرالية البلجيكية وعاصمة منطقة الفلاندر وعاصمة أوروبا أيضا، حيث تمثل المركز السياسي للاتحاد الأوروبي. وتعتبر العاصمة الأكثر خضرة في العالم، ولعل اكثر ما يميزها أنها قاومت التوسع العشوائي الذي عانت منه العواصم المتقدمة الأخرى.
مدينة المتاحف والموسيقي :
الجولة في ضرورية جدا مع مرشد متخصص لكي يشرح لك ويعرفك بان بروكسل هي أيضا مدينة السياحة والفن والتاريخ، وحاضنة المتاحف والمباني الأثرية والأسواق المتنوعة و القطع الأثرية القديمة.
وتضم بروكسل نحو 90 متحفا وقرابة 30 مسرحا وقاعة حفلات يتصدرها (مسرح لامونيه) ذلك الصرح الملكي الخاص بالفن المسرحي وقصر الفنون الجميلة وهو تحفة هندسية أبدعها المهندس هورتا. أما المتاحف، فتجد متحف لكل مجال، متحف للعلوم الطبيعية والجغرافيا.. متحف للأدوات والآلات الموسيقية.. متحف للفنون القديمة والحديثة ومتحف للسيارات و«متحف الجيش الملكي» وغيرها. ومن المتاحف الأخرى التي تستحق الزيارة داخل بروكسل «متحف التاريخ الطبيعي» حيث يتواجد عدد من هياكل الديناصورات يعتبر من اكبر المجموعات بأوروبا كلها، هذا إلى جانب قطع من الصخور والمعادن وهناك أيضا مجموعة رائعة من هياكل الحيتان. والاهتمام كبير بالأطفال حيث يوجد جزء خاص يتعرف فيه الأطفال بوسائل مبسطة عن الحيوانات التي يمكن مشاهدتها في الأماكن المحيطة، هذا إلى جانب ورش عمل صغيرة حتى يتفاعل الأطفال مع هذا العالم.
و «متحف الآلات الموسيقية» يشكل جزءا من المتاحف الفنية الملكية و يتعلق بالموسيقى في العصور القديمة، والموسيقى الحديثة التي تبدأ من القرن التاسع عشر. ويزود زائر متحف الآلات الموسيقية بسماعات تعمل بصورة آلية عند الوقوف أمام الآلة الموسيقية المعروضة لسماع الصوت الذي تحدثه هذه الآلة. وما اكثر هذه الآلات بالمتحف الذي يضم مجموعة قيمة وبها قطع نادرة جدا.
لقد كانت بروكسل ولا تزال أحد أهم مدن الرقص المعاصر، كما يوجد بها عدد هام من دور العرض السينمائي ذات التقنية العالية. وتحتوي المكتبة السينمائية البلجيكية على تراث ضخم فريد من نوعه في العالم أجمع، كما تنظم بروكسل ثلاث مهرجانات سينمائية وهي «مهرجان بروكسل الدولي للأفلام»، و«المهرجان الدولي للرسوم المتحركة» و«المهرجان الدولي للفيلم الخيالي».
ملامح البرجوازية :
عندما نتحدث عن اكتشاف مدينة بروكسل ، فإن أول ما يجب زيارته هو القصر الكبير الساحر الذي يعود بناءه إلى القرن الرابع عشر، والذي يعتبر تحفة معمارية فريدة في العالم، فضلا عن تاريخه الهام الذي كان مركزا للاقتصاد والسياسة، في بروكسل وهو لحد الآن يشهد الحفلات الرسمية التي تقام على شرف المماليك والأمراء. كما يعتبر مبنى السانكونتنير (العيد الخمسين) الذي يعتبر معلم تاريخي هام في بلجيكا حيث بني خلال حكم ليوبولد الثاني الذي أراد أن يخلد ذكرى الخمسين لاستقلال بلجيكا بهذا المبنى الجميل. وكذلك الأتوميوم، ذلك المعلم الهندسي الجميل الذي شيد سنة 1958 بمناسبة المعرض العالمي، ويبلغ طوله 102 متر. ويلفت قصر العدل المشيد في العام 1111 النظر لاي زائر لضخامته وروعته الهندسية وعدد غرفه التي تتجاوز ال 325 غرفة وقاعة .كما تشتهر بروكسل بأروقة الفن التشكيلي «سان هوبير» و«متنزه ميني يوروب» الذي يقدم أهم ما في القارة الأوروبية على مساحة صغيرة تشهد ابرز المعالم الأوروبية في نماذج مصغرة شديدة الإتقان، وتظل الاماكن السياحية المشهورة وسط العاصمة اكثر امنا وامانا للسياح والزوار الاجانب اما المناطق الشعبية البعيدة عن بروكسل فهي تشكل خطرا في الليل ويجب الابتعاد عن التجوال فيها , خشية تعرض الزائر للنشل والسرقة او الابتزاز احيانا , وهذا الامر شائع ومعروف في غالبية المدن الكبيرة والغنية التي يؤمها ملايين السياح سنويا . ومع ذلك تظل بروكسل لها رونقها الخاص وملامحها البرجوازية الثرية التي يغلب عليها طابع عمارة الباروك الجميلة.
شيليون والماسيلز!
في اليوم الاخير للرحلة حرصت علي تناول العشاء في مطعم (Chez Leon) المتخصص في الاسماك القواقع البحرية التي تعرف عندهم باسم ( ماسيلز) , الشارع الذي يقع فيه المطعم الشهير منذا كثر من 390 عاما وتعاقب عليه اكثر من 7 اجيال حتي الان , يؤكد انه لا يوجد بلد في العالم يضم عدد مطاعم متخصصة في الماكولات المحلية او الشعبية مثل بلجيكا التي تعتبر رغم صغر مساحتها. وبالمقارنة مع حجمها، تقدم ماكولات متنوعة اكثر من أي بلد .فالشارع الطويل المتعرج يضم اكثر من مائتي مطعم للاسماك والقواقع.
ولابد ايضا من الحديث عن قصة الشوكولاته في بلجيكا , وهي قصة طويلة تبدأ عندما وجد الإسبان في أوائل القرن السادس عشر سكان المكسيك يتناولون مشروب الشوكولاته ويقبلون عليه بشدة. ولم يرق المشروب للفاتحين الإسبان في البداية، لكن مع بعض التدخل في المذاق من جانبهم بدأ البعض وخاصة في الأرستقراطيين في تناول المشروب. بل واعتبروا وصفة صنع المشروب سراً يجب ألا يطلع عليه عامة الشعب بعد أن قال عنه البعض انه يمد الجسم بالكثير من الطاقة.