زيوريخ – د. جمال المجايدة
زرت زيوريخ اكثر من مرة لقضاء إجازة في تلك المدينة السويسرية التي تعرف بمدينة العالم الصغيرة لتنوعها الثقافي والاقتصادي والعرقي , الا انني اكتشف جديدا في كل مرة اقيم فيها في ربوع زيوريخ . فهي مدينة ذات رونق خاص جميلة انيقة هادئة ثرية عريقة وآمنة , تفتح ذراعيها للجميع بود وترحاب ! مدينة نظيفة مليئة بالبحيرات والمساحات الخضراء ونوافير المياه والطيور التي تلهو مع الزوار في كل الاوقات صيفا وشتاءا.
وبعد جولتي الاخيرة في المدينة برفقة ماوروس لوبر مدير هيئة السياحة في زيوريخ اكتشفت الوجه الجمالي العريق للمدنية التي تعتبر رئة سويسرا المالية وسوقها التجاري والسياحي ,
زيوريخ بصراحة تترك انطباعا طيبا لدى زوّارها لتوليفتها السكانية المختلطة دوليا على نحو مشوق أخاذ ومثير خاصة مع محيطها البيئي الريفي الرائع.
كما أن بحيرة زيوريخ البالغة مساحتها 22 كلم مربعا تثير الاعجاب وراحة النفس وتحرك بجمالها مشاعر الزائر والمقيم , وتثير فيهم مشاعر الإعجاب بالطبيعة . يضاف الى ذلك التنزة مشيا علي الاقدام مابين المقاهي القديمة المنتشرة وسط المحلات التجارية في وسط المدينة او في شارع الرئيس الذي يحمل اسم محطتها الرئيسية للسكك الحديدية (هوبتبانهوف ) أو محلاتها الحديثة التي تتابع الموضات على نهر الليمات في الحي القديم , كلها عناصر مشتركة تثير اعجاب الزائر , لدرجة انني كنت لاادري كيف تمر الساعات وانا اتجول بلا برنامج مواعيد في الوسط التجاري او في الاحياء القديمة لزيوريخ علي ضفاف النهر الهادئ!
جمال مدينة زيوريخ
في الحارات القديمة اكتشفت جمال مدينة زيوريخ ! هناك حيث ترقد حضارة قديمة وسط حياة مليئة بالحيوية والنشاط ليل نهار في جو آمن مسالم ودود ومحب , في حارات المدينة العتيقة التي يطلق عليها اسم ( آلت شتات ) تدرك كم كانت تلك الحاضرة السويسرية زاخرة الحضارة والتاريخ!
وقفت على أحد المشارف العلوية للمدينة الشامخة مثل شجر الزيزفون لكي اعطي لنفسي مساحة للتامل , زيوريخ القديمة والجديدة يجمع مابينها رابط هو الحب والحياة وحماية الفيدرالية السويسرية واعتقد ان تلك الاسباب هي صمام الامان للدولة والناس والزوار والمقيمين في ربوع زيوريخ وماجاورها.
في المدينة القديمة!
امتدت بنا الجولة الليلية في شارع ليندينهوف في الحي القديم من المدينة العتيقة حتي ساعة متاخرة من الليل , راح ماوروس لوبر مدير هيئة السياحة في زيوريخ يستعرض لي معلوماته التاريخية في المدنية , لقد قال لي ان
تاريخ مدينة زيوريخ يرجع الى العصر الروماني لذلك فهي تعدك زائرها أيضا ببعض قمم العمارة التاريخية التي يتمتع بمشاهدتها كل من يمر في المدينة.
أمّا دائرة قلب المدينة القديمة فتتصدرها أبراج الكنائس الثلاث الكبرى للمدينة ألا وهي كنيسة غروسمونستر وكنيسة كيرشي سانت بيترز , التي ذكر لي السيد لوبر انها كنسية متميزة علي كل ماعداها بلوحة أرقام ساعة برجها التي تعتبرالأكبر من نوعها في العالم (8,7 متر) وكذلك كنيسة فراومونستر التي رسم زجاج توافذها الرائعة الفنان الرسام الشهير مارك شجال.
في شارع ليندينهوف تختلط الثقافات بالبشر وتبدو منقوشة علي الحجر في تلك الابنية التاريخية التي تشبه المتاحف , فاصغر البيوت والمقاهي عمرا في ذلك الشارع الطويل , الضيق , يصل الي 600 سنة , كما ان زوار المدينة يامونه طوال الليل للتسلية والتنزه مع الفولكور والموسيقي المحلية والمكسيكية والافريقية والاسيوية التي تبرع بها طالبات وطلبة الموسيقي للزوار او اولئك الذي يعزفونها طلبا لتبرعات المعجبين!
في المقاهي والحانات القديمة في ليندينهوف تجلس ساعات وساعات دون ان تشعر بالملل فقط تحملق في وجوه وعيون الماره من كل لون وكل جنس جاءوا فقط ليلقوا نظره السلام علي الاخر , انها لحظات جميلة تختلط فيها المشاعر بالوان الثقافات والحضارات الانسانية في ذلك المكان الهادئ.
يقول لي السيد لوبر ان اجمل مافي زيوريخ انسانيتها وهدوئها ليلا ونهارا , فقلت له بل ان اجمل مافي المدينة هو انك تراها كلها تتجمل بزهور الربيع وان تسير علي قدميك حتي وان بللتك قطرات المطر , او القت عليك عصافيرها التحية
عشاء خاص
كان ماوروس لوبر مدير هيئة السياحة في زيوريخ قد رتب لي دعوة خاصة علي العشاء , وتم الحجز في مطعم يعرف باسم (ناين ) الي رقم تسعة , فعلا وصلنا الي المكان القريب من فندق (ايدن او ليك ) الذي اقمت به في زيوريخ والمطل علي البحيرة مباشرة , المطعم اشبة بلوحات من الفن التجريدي او السيريالي اسود وابيض وكراس مرتفعة واضواء خافتة وخشيت ان تكون الوجبات ايضا عبارة عن تحف فنية او فولكلور تشبع العين والقلب فقط!
قال المضيف : لاتقلق , فمدينة زيوريخ تشتهر بوجبة محلية تعرف باسم شرائح لحم زيوريخ من البقر او الغنم الى جانب وجبات السمك من بحيرتها ذات الماء العذب.
قلت فلنجرب سمك البحيرة , فعلا كانت وجبة خرافية مع الاصدقاء وربما ان برودة الطقس فرضت علي الجميع تناول الاطباق الساخنة بسرعة تفوق سرعة السويسريين المعتادة في تناول الاطباق , فقد لاحظت ان السويسريين يتكلمون اكثر مما ياكلون في المطاعم . لذا فان نادلات المطعم اللواتي يعملن مثل خلية النحل احترن في تلبية الطلبات بسرعة نظرا لان العشاء في السابعة هو موعد الجميع هناك , فكل الدعوات علي العشاء تنطلق في السابعة مساء لاقبل ولابعد , فمن الممكن ان يضبط المرء ساعته السويسرية علي العشاء الزيوريخي تماما !
بعد العشاء خرجنا في جولة علي الاقدام في المدنية , ليقول لي السيد لوبر ان زيوريخ تتيح لزوارها معالم ثقافية فنية تستحق الزيارة فعلا , نذكر منها دار المسرح الشهيرة التي تعرض متنوعات من المؤلفات والمسرحيات التقليدية الكلاسيكية الأوروبية الى جانب متحف الفنون الجميلة (كونتسهاوس) الذي يعرض حاليا أعمالا حديثة, بالإضافة الى خمسين (50) متحفا آخرا يستطيع كل محب للفنون اشفاء حنينه الى الجمال الفني , حتى فيما يتصل بالموسيقى والتمثيل تتيح زيوريخ لزائرها فنون راقية لا حصر لها منها مثلا ما تقدمه دار الأوبرا وصالة الموسيقى “تونهالي ” ذائعة الصيت ومسرح زيوريخ العريق . تخيلوا معي ان الزائر بامكانه ان يدخل الي المتاحف الخمسين بتذكرة المترو فقط أي لايدفع رسوما اضافية لدخول المتاحف كلها , والشئ ذاته ينطبق علي حديقة الحيوان وعدد من المرافق الاثارية والفنية وصالات الفنون التشكيلية الاخري وبعض المسارح!