إعداد: فادية عمار
ترسّخ أبوظبي مكانتها بوصفها مدينة المستقبل، بعد أن قفزت إلى المرتبة الخامسة عالمياً في مؤشر المدن الذكية 2025 الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD)، متفوقةً على العديد من العواصم العالمية العريقة. هذا الإنجاز النوعي يعكس التقدّم المستدام والرؤية المتكاملة التي تتبنّاها الإمارة في مختلف مجالات الحياة، ويُعزّز موقعها كوجهة عالمية رائدة للعيش والعمل والاستثمار.
ولم يكن هذا التقدّم وليد الصدفة، بل هو نتاج مسار طموح بدأ قبل أعوام، ارتفعت فيه أبوظبي من المرتبة الرابعة عشرة في 2020 إلى المرتبة الخامسة اليوم، عبر جهودٍ تنموية جمعت بين الذكاء التكنولوجي والاهتمام بالإنسان، وبين التطوير الحضري والارتقاء بجودة الحياة.
مؤشر يستمع إلى صوت الناس
ما يُميز هذا التصنيف أنه يستند إلى تصورات سكان 146 مدينة حول العالم، حول مدى تطور بنيتها التحتية وخدماتها الذكية. وفي حالة أبوظبي، فقد أظهرت النتائج رضا 82% من المشاركين عن شبكة النقل العام، في حين أكد أكثر من نصف السكان أن الازدحام المروري لم يعد مشكلة تُذكر. وتأتي هذه النتائج بالتزامن مع تسجيل أكثر من 90 مليون رحلة على متن الحافلات العامة خلال عام واحد، إضافة إلى 168 ألف راكب عبر شبكة النقل البحري.
وفي خطوة نوعية لتحسين الحركة في المدينة، ساهم مشروع الجسرين في تقليص زمن التأخير بنسبة 80% خلال ساعات الذروة الصباحية على شارع الخليج العربي، ضمن استثمارات ضخمة بلغت 3.4 مليار درهم خلال عام 2024 وحده لتطوير شبكات الطرق ووسائل التنقل.
مدن خضراء بمعايير ذكية
تُعدّ المساحات الخضراء من أبرز ما يميز المشهد الحضري في أبوظبي، حيث عبّر 84% من السكان عن رضاهم تجاه وفرتها وصيانتها. وخلال عام 2024، افتُتحت أكثر من 200 حديقة وشاطئ، مما منح الإمارة طابعاً جمالياً وإنسانياً قلّ نظيره في المنطقة.
كما عززّت مبادرة “الحدائق الذكية” من جودة هذه المساحات، حيث تمّ تركيب 1,400 جهاز استشعار لقياس مؤشرات مثل رطوبة التربة، وجودة الهواء، واستهلاك الطاقة، بما يضمن تحسين تجربة الزوار وتعزيز الاستدامة البيئية.
وفي سياق الاحتفاء بالثقافة المحلية، أُطلقت مبادرة “لوحة أبوظبي” لتجميل الفضاءات العامة من خلال أعمال فنية تعبّر عن تراث الإمارات، من تصميم وتنفيذ مواهب إماراتية شابة، في مزج فريد بين الفن والهوية الوطنية.
اتصال رقمي يُعزّز الحياة
من أبرز عناصر التقييم في المؤشر هو مدى توافر خدمات الاتصال، حيث أشار 75% من المشاركين إلى أن خدمة الواي فاي المجانية في الحافلات والحدائق والشواطئ، ضمن مبادرة “هلا واي فاي”، ساهمت بشكل مباشر في تحسين الوصول إلى الخدمات وتعزيز الرفاهية اليومية للسكان والزوار على حدٍّ سواء.
نحو مدن تتنفس الذكاء
هذا التقدم ليس نهاية الطريق، بل هو محطة ضمن مسار مستقبلي طويل. فقد أصبحت أبوظبي مقراً للمكتب الإقليمي لمنظمة المدن الذكية المستدامة العالمية (WeGO) لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يُعزّز دورها كمنصة إقليمية لتبادل المعرفة والخبرات في مجال المدن الذكية، ويدعم رؤيتها في تطوير حلولٍ حضرية مُبتكرة قائمة على الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة.
أبوظبي… مدينة تعيد تعريف الحياة
يؤكد هذا الإنجاز العالمي أن أبوظبي لا تكتفي بالتخطيط للمستقبل، بل تصنعه اليوم. إنها مدينة تستثمر في الإنسان أولاً، في بيئة خضراء، ووسائل نقل ذكية، وخدمات رقمية مُتقدّمة، كل ذلك ضمن رؤية شاملة تضع رفاهية المجتمع وازدهاره في صميم أولوياتها.
ومع استمرار هذه المسيرة المتجدّدة، تواصل العاصمة الإماراتية ترسيخ صورتها كإحدى أكثر مدن العالم تقدماً وجاذبية، مدينة تنبض بالحياة والابتكار، وتحمل في كل زاوية منها وعداً بغدٍ أجمل.

