د.جمال المجايدة :
في تطور قانوني دولي لافت، أسقطت محكمة العدل الدولية دعوى تقدّمت بها القوات المسلحة السودانية ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، متهمة إياها بالتدخل في الشأن الداخلي السوداني، وبـ”دعم قوات الدعم السريع” في الصراع القائم منذ أبريل 2023. وقد شكّل قرار المحكمة نقطة تحول في المسار القانوني والسياسي للأزمة السودانية، وكان له أصداء إقليمية ودولية واسعة.
أهمية هذا القرار تنبع من عدة أبعاد:
– أولاً، من الناحية القانونية، فإن إسقاط الدعوى يعكس تمسك محكمة العدل الدولية بالمعايير الصارمة للإثبات، ورفضها الزج بالقضاء الدولي في صراعات سياسية معقدة تتشابك فيها الحقائق والدوافع. فغياب الأدلة القانونية القاطعة على اتهام جماعة البرهان للامارات في دعم جماعة مسلحة بشكل مخالف للقانون الدولي، دفع المحكمة إلى إغلاق الملف مبكرًا.
-ثانيًا، يساهم قرار المحكمة في خلق بيئة أقل توترًا في المنطقة، ويفتح الباب أمام عودة المبادرات السياسية والوساطات الإقليمية لحل الأزمة السودانية. كانت الدعوى المرفوعة تهدد بتعميق الانقسام الإقليمي وإعاقة جهود السلام، وقد كان من الحكمة ألا يتم إعطاء النزاع بعدًا قانونيًا دوليًا لا يخدم سوى تصعيد الاستقطاب.
-ثالثًا، جاء القرار ليحمي مكانة القضاء الدولي من الانزلاق نحو استغلاله كأداة سياسية في صراعات داخلية. فمحاولة تحويل ساحة العدالة الدولية إلى منصة للمكايدات أو لتوجيه الاتهامات بدون أرضية قانونية راسخة، يُعد سابقة خطيرة لو تم تمريرها. موقف المحكمة يؤكد أنها ما زالت تتمسك بالحياد والاستقلالية.
الإمارات شريك إقليمي داعم للاستقرار
لا يمكن فصل القرار أيضًا عن الرؤية العامة لدور الإمارات في المنطقة، حيث تُعرف الدولة بسياستها الداعمة للاستقرار الإقليمي، وسجلها في دعم المبادرات الإنسانية في السودان ودول أخرى متأثرة بالصراعات. وقد أظهرت الإمارات التزامها المتواصل بسياسة عدم التدخل، والتركيز على دعم جهود الوساطة الأممية والإفريقية.
إن إسقاط الدعوى لا يعني نهاية المسار القضائي فحسب، بل يشكل لحظة لإعادة تقييم الوسائل المعتمدة في حل الأزمات الإقليمية. فالحلول القضائية وحدها لا تكفي، بل يتطلب الأمر حوارًا سياسيًا شاملًا، وجهدًا دبلوماسيًا صادقًا لوقف نزيف الدم في السودان. ويبقى على جميع الأطراف أن يدركوا أن استقرار السودان مسؤولية جماعية، تتطلب تعاونا إقليميًا بعيدًا عن الاتهامات، وقائمًا على الثقة والمصالح المشتركة .