د. يوسف الحسن
تعتبر الحماقة السياسية من أخطر أنواع الحماقات، بحكم أن آثارها تتعدى صاحبها السياسي، إلى حياة العباد ومصالح البلاد.
والسياسات الحمقاء هي ثمرة شطط في تفكير نخب سياسية تتمتع بمنسوب عال من الحماقة، وبخاصة في المنعطفات الحرجة، والتحولات الجذرية.
وما أكثر الحمقى الذين تركوا بصماتهم السلبية على المشهد السياسي، عربياً ودولياً، خلال القرن الماضي وحتى يومنا هذا، خضعت لهم شعوب بعد أن ظنَّت هذه الشعوب أن حمقى السياسة «يحسنون صنعاً»، في حين أن أعمالهم حطَّمت أعمدة أوطان، وأفسدت نسيج مجتمعات، وعطّلت مسار النماء والتطور، وعمران البلدان.
حماقات البشر، وبخاصة حماقات نخبهم السياسية والاقتصادية، دفعت العالم إلى حافة الهاوية في ظل حماقة العقول وجشعها ونهمها للاستهلاك والسلطة والثروة.
وكما يقول أنطونيو غوتيريش، «إن حماقات البشر تسببت بتغير المناخ، ووضعت العالم أمام كارثة».
تتولد الحماقة أحياناً في رحم الكراهية والعنصرية والتطرف، وتُترجم سلوكاً بغيضاً همجياً في حياة أصحابها، وقد شاهد العالم المعاصر نماذج عديدة منها، ففي نوفمبر عام 1938 قام متطرفون ألمان بسلسلة من أعمال القتل والتدمير والتخريب لمنازل ومعابد يهودية ومحال تجارية في مدن ألمانية، رداً على اغتيال دبلوماسي ألماني في باريس، من قبل شاب بولندي يدعى جرينزبان أراد الانتقام لطرد والديه من ألمانيا إلى بولندا. وتذكر بعض التقارير أن ضحايا ليلة أعمال التدمير والتخريب، والتي سميت بليلة «الزجاج المكسور»، بلغت نحو تسعين شخصاً، فضلاً عن تهجير الآلاف خارج ألمانيا. وشكلت هذه الحادثة بداية التهجير العنصري، وكانت ردة الفعل الألمانية قاسية وحمقاء.
ومثلها جرى ويجري حالياً في الضفة الغربية المحتلة وغزة، حماقة متناهية، تتمثل في قتل الأطفال بسادية مفرطة، وترتكب إسرائيل، بقيادة نتنياهو، جرائم إبادة وتطهير عرقي، ويسيل لعابه كسمك القرش على المزيد من الدم والحماقات الكارثية.
تذكرت نبوءة للملك حسين، رحمه الله، ملك الأردن السابق قالها في عام 1996، حينما انتخب نتنياهو رئيساً للحكومة الإسرائيلية: «إن بقي هذا الرجل (نتنياهو) في الحكم، سيحيل المنطقة إلى بركة دماء».
تتزايد أعداد الحمقى في السياسات الإسرائيلية، ومن أصحاب الخطابات المكتنزة بالابتذال والكراهية والكذب والتطرف، وبيع الأوهام وصناعة الأزمات، وكلما مد الفلسطيني والعربي ذراعه صادقاً بغصن زيتون، أرادوا ذراعه، لا غصن الزيتون. يتذرعون «بالسماء» وهم يحتلون الأرض وينتهكون الحقوق.
سوق الحمقى رائجة في أكثر من مكان، وصارت مربحة في إعلام التواصل الاجتماعي، وما أكثر الحمقى من المشاهير، إلا من رحم ربك، وكذلك ما أكثرهم في برلمانات العالم الأبيض المتقدم. وقال برنارد شو ذات يوم: «من عيوب الديمقراطية أنها تجبرك على الاستماع إلى رأي الحمقى»، وقد تَبنَّت هذه المقولة، مؤخراً، عضو الكونجرس الأمريكي السابقة، ليز تشيني ابنة ديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، وكان من أوائل الحمقى المؤيدين لاحتلال العراق.
وتقول ليز تشيني: «إن على الأمريكيين التوقف عن انتخاب الحمقى»، علماً بأن ليز جمهورية.
ومن ذخائر التراث العربي، ما ذكره أبو الفرج بن الجوزي المتوفى في بغداد عام 1201، في كتابه «أخبار الحمقى والمغفلين»، وذكر أن من صفات البليد أن في عينيه بلاده، ومن أخلاقه الغرور والسفَه والغفلة، وإن أحسنت إليه أساء إليك، كما ذكر أن من أسمائه الأخرق والأهوج.
نَقلات العرب في لعبة الشطرنج، في معظمها خاسرة، مهما كانت المقدمات إيجابية ومتفائلة، ولنتذكر أنه بعد تمرد العرب على «الرجل المريض» العثماني، وقعوا في «مصيدة» بريطانيا، وبعد الانتصار العسكري في حرب أكتوبر 1973، ذهب عرب إلى «كامب ديفيد»، وبعد الانتفاضات الشعبية في فلسطين المحتلة، ذهب فلسطينيون إلى «أوسلو»، وكم أخشى أن يتأقلم العرب مع هذه المعادلات المتكررة «والنقلات» في الأيام القادمة، وقيل إن: «المقدّمات في عالمنا العربي لا تشبه الخواتيم». تفاءلوا يرحمكم الله.