د. علي القحيص
بثّت قناة روتانا خليجية مقابلة شيقة من خلال برنامج (الليوان)، الذي يقدمه الإعلامي اللامع الأستاذ عبدالله المديفر، حيث اتحفناجداً بحلقة مميزة باستضافة الإعلامي المخضرم الأستاذ خالد المالك، رئيس تحرير جريدة الجزيرة، في بداية هذا الشهر الفضيل.
كان لقاءً مثمراً للغاية ومتميزاً وصريحاً بلا مواربة، واستمتعنا بمتابعته جداً، لأنه كان حواراً مهماً وليس سجالاً عابراً، وأعدت مشاهدته أكثر من مرة لقوة المحتوى وأهمية المضمون وثراء الحوار وصراحة اللقاء وشفافية الطرح والمحاورة الصحفية في هذة المقابلة الشيقة الممتعة.
ولا أعلم هل استمتعت فيه، لأني أعرف المتحاورين جيداً، وربما أيضاً لأني أنتمي إلى هذا الوسط الإعلامي والصحفي منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، وأعرف بعض التفاصيل الدقيقة التي تحدث عنها (أبو بشار)، بإسهاب بكل شجاعة متجردة وصدق تام وموضوعية واضحة وأريحية عالية، تابعت اللقاء بشغف ومتعة وتمعن!
كان الحوار ساخناً وموفقاً وجاذباً للمشاهدة والتأمل، من حيث جرأة الأسئلة التي طرحها المديفر، التي استمدها من معلومات مهمة وخلفيات ماضية استحضرها باللقاء، وكذلك شجاعة ووضوح الإجابات عليها من قبل الأستاذ خالد المالك، بكل دقة وشفافية وبدون تحفظ مما زادهاً بريقاً وبهجة وسخونة، لأنه يعتبر مع الراحل تركي السديري «رحمه الله» مرجعاً لتاريخ الصحافة السعودية ومسيرتها الماضية، من حيث المدة الطويلة والخبرة الغنية التي أمضاها في دهاليز وأروقة الصحافة الورقية، التي كانت في أوج بريقها وعنفوان تأثيرها في بدايات استلامه لرئاسة تحرير جريدة الجزيرة، ومن ثم (خروجه وعودته) إليها، وحين كنت أعمل في جريدة (الرياض) كرسام كاريكاتير كان المالك بعيداً عن الصحافة للأسباب التي ذكرها بالحوار المشار إليه.
وحين فرحنا بعودته كرئيس تحرير، كان التنافس بين (الجزيرة والرياض) على أشده بين المؤسستين، من حيث تأثير وقوة وتوزيع الصحيفتين في المنطقة الوسطى مدينة الرياض وضواحيها.
والأهم من ذلك هو وجود شخصية وتأثير نجومية (السديري والمالك)، وهما عملاقان يقودان الصحيفتين المتنافستين المتجاورتين في حي الصحافة.
وبعد توقفي عن الرسم، أقنعني الراحل (أبو عبدالله) أن أكون مديراً لمكتبه في الفترة المسائية، لكي لا أفقد وظيفتي بمؤسسة اليمامة الصحفية، وبالفعل تم ذلك، وكان بعض ضعاف النفوس الصغار من المتطفلين من داخل وخارج الوسط الصحفي، يحاولون التقرب عن طريق (النميمة)، يسمعون عن خلاف (المالك والسديري) ولكنهم لا يدركون أهمية وأصول ومعاني التنافس الشريف في العمل الصحفي وخفاياه، فمنهم من يأتي بمعلومة عن صحيفة ( الجزيرة) يعتقد بأنها مضرة، ويبلغ بها تركي السديري، أن المالك سوف يغادر الصحيفة مرة ثانية، ونعتقد الجزيرة سوف تتوقف، وأن الجزيرة سوف لن تصدر غداً لوجود خلل وعطل في مطابعها وهكذا دواليك.. من الشائعات الزائفة!
والسديري يدرك ويعرف الأمر واليقين أكثر منهم!
وهم يعتقدون أن هناك فعلاً خلافاً كبيراً بين (القامتين)، ونتفاجأ باليوم الثاني، إن الأستاذ خالد المالك يدخل إلى مكتب تركي السديري، ويتبادلان التحايا والأحاديث الودية ويضحكان معاً على (الشائعات)، ثم يأمر السديري الموظف المختص بحجوزات الطيران، أن يحجز تذكرة سفر طيران هو والمالك، ليحضرا مناسبة خارج المملكة، لأنهما يرغبان بالسفر والجلوس معاً بنفس الطائرة.
فيستغرب (الواشون) ويسقط بيدهم!
من هذا التصرف النبيل ما بين المتخاصمين على الورق لكنهما متفقان بالسر والعلن، ولا يضمر الضغينة للآخر وكانت مصلحة الوطن بالنسبة لهما فوق كل اعتبار وخلاف، وأن القلوب بيضاء كما هي أوراق صحيفتيهما قبل الطبع!
وحين انتقلت من الرياض إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، واستلمت مكتب دبي الإقليمي لصحيفة (الرياض) عام 2001، وأكملت دراستي هناك، كنت أزور الأستاذ تركي السديري بالفندق في دبي، كونه رئيسي بالعمل، وأجد بجانبه الأستاذ خالد المالك حيث سكنه بنفس الفندق وأقلهما بسيارتي لنذهب إلى الغداء أو العشاء في مدينة دبي، ويقول تركي السديري أذهب بنا لأفضل مطعم تعرفه جيداً، وهذه الحالة تكررت مرات عديدة وحين يسألاني عن الصحافة الإماراتية وحضورها وتأثيرها، أجيب بما أعرفه، ثم يقول أحدهما، أيهما أهم (البيان أو الاتحاد)، بالإمارات، أقول كلاهما مثل (الرياض والجزيرة)، في المملكة، فيكرران السؤال الأفضل من هي منهما؟ وأقول لهما أنتما قولا الأفضل (الرياض أم الجزيرة)، فيضحكان معاً، وكانت أنفسهما طيبة وخالية من الشوائب، أجواء جميلة ومنافسة شريفة، وسيرة عطرة ومسيرة غنية مفعمة بالعطاء والإنجاز، لرجال أسسوا وبنوا وخرجوا وعلموا أجيالاً، من الخبرات الصحفية الوطنية المتميزة الذين أصبحوا وزراء وسفراء وكتاباً كباراً وصحفيين مهمين ورؤساء تحرير ومدراء إدارات ومؤسسات إعلامية مهمة.
تحية وتقديراً وإكباراً إلى تلك الأسماء الكبيرة والقامات الصحفية العالية، التي كلما اشتدت المنافسة، ارتفعت الهامات فوق الخلاف، من أجل المصلحة العليا.
(وإذا كانت النفوس كبارا
تعبت في مرادها الأجسام)
*كاتب وروائي سعودي