د.جمال المجايدة :
تابعت الفعالية الثقافية التي احيتها مؤسسة محمود درويش يوم الأربعاء 13 مارس الحالي في رام الله , بمناسبة الذكرى ال83 لميلاد محمود درويش رمز الثقافة الفلسطينية، الشاعر العربي الذي تخطى العربية الى العالمية بفضل موهبته الفذه ووطنيته المتقده حبا لفلسطين .
عرفت محمود درويش عن قرب واجريت معه حوارات عدة في ابوظبي وغزة وفرانكفورت وكان الراحل الكبير يشعرني بالصداقة الحقيقية لفرط تواضعه وحبه للناس بكافة درجاتهم واطيافهم , فقد كان نموذجا للتواضع والعطاء والعمل الدؤوب لابراز عدالة قضية فلسطين في العالم كله .
لذا تربع على عرش الثقافة الوطنية، واحتل بجدارة عطائه وابداعه وسعة خياله، وغنى ما أنتج شعرا ونثرا، فكان نثره شعرا، وشعره نثرا بديعا مترامي الأطراف حتى وصل أصقاع الكرة الأرضية، وتجلى يوم ميلاده عنوانا ويوما للثقافة الوطنية. لأنه جسد الحقيقة الفلسطينية، وخاط تاريخ وتجذر ومجد وديمومة وعظمة الوجود والموروث الحضاري والثورة بأبهى الصور وارقاها، وحاكى جمال مدنها وقراها وهواءها وبحرها وتضاريسها، ومجازرها ووحشة وجرائم اعدائها الذين مرروا، وأعداء اليوم الصهاينة الذين سيعبروا أسوة بغيرهم من الغزاة السابقين.
اشكر كل القائمين على مؤسسة محمود درويش لإحياء ذكرى ميلاد رمز الثقافة الوطنية ، لاسيما في ظل ظروف العدوان على غزة حيث كان درويش دوما يحذر من خطر الصهيونية على المستقبل الفلسطيني , كان شعر ونثر درويش حاضرا في ملحمة الموت والحياة والفقد في غزة، التي حاكى فيها شاعر العرب المعاصر العبقري آلامها وفجيعتها وفرادتها وبساطتها في الحضور الفلسطيني، بقوله: غزة ليست أجمل المدن .. وليست اغنى المدن.. وليست أرقى المدن.. وليست أكبر المدن.. ولكنها تعادل تاريخ أمة..
كما أضاف رمز الثقافة الوطنية في احدى قصائده: لكنها لن تكرر الأكاذيب، ولن تقول للغزاة: نعم وستستمر في الانفجار، لا هو موت ولا هو انتحار. لكنه أسلوب غزة في إعلان جدارتها بالحياة..
ولخص درويش المشهد في غزة، كما لو انه حاضرا الان، وشاهد يوميات الإبادة الجماعية وفظائعها وويلاتها وبشاعة ووحشية نازيو العصر الصهاينة بكلمات بسيطة وبالغة الدقة في استنطاقها ملحمة الموت والشهادة في غزة العظيمة بالقول: إن سألوك عن غزة، قل لهم بها شهيد، يسعفه شهيد، ويصوره شهيد، ويودعه شهيد، ويصلي عليه شهيد.” ولكنها وهي تتلفع بثوب الشهادة اليومي واللحظي، وتودع قوافل الشهداء بالعشرات والمئات يوميا، وتنزف على مدار الساعة من أجساد الأطفال والنساء والشيوخ والشباب، حتى فاضت الدماء، لكنها امست بركانا متفجرا في وجه الأعداء الغزاة المتوحشين بصمودها وشموخها وصبر ابنائها. صحيح ان محمود درويش قد رحل عن عالمنا , لكنه باق في قلب كل محب لارض فلسطين ولكل مؤمن بالحرية والعدالة، لم يمت وينبت كل يوم من السنة، وليس في آذار ومع زهر اللوز فقط، فكل فصل من العام له أزهاره وجمالياته، وغزة رغم كل الحروب والدمار الهائل والذي يفوق كل جرائم وحروب الإبادة في التاريخ باقية، وتنبت مع كل فجر جديد، تستنطق تاريخ الامة، وتعيد إحياء امجادها،