د. علي القحيص
ورغم جديته الحاسمة وجرأته المعهودة وكتاباته النقدية الحادة اللاذعة، وصراحته الجريئة بالطرح والكتابة والرأي، إلا أنني لا أختلف معه كثيرا، وقد جمعتنا لقاءات ومحاضرات وندوات معاً في أكثر من منبر فكري وثقافي، فهو نشط ومثقف وشجاع في قول الحق وتشخيص العلة بدقة دون مواربة، وكثير من الأصدقاء يقولون لي (صاحبك أحيانا يشطح)، ولكن له حضور وقبول وجمهور، وربما بعض (شطحاته) من باب النصح والعتاب، وليس من الشماتة والتشفي والتهكم!
وكثير من الفضائيات تستضيفه كمتحدث إماراتي، ويلبي الدعوة دون تحفظ من أي حوار أو لقاء أو برنامج.
في محاضرته الأخيرة في مركز الدراسات بأبوظبي، تحت عنوان (مفكرو الإمارات.. بعقول إماراتية)، تحدث د.عبدالخالق عبدالله بإسهاب عن ملامح الشخصية الإماراتية المرنة المتزنة، التي وصفها (بالحشيمة)، مبينا الأخلاق العالية والهدوء التام والتواضع الجم لسلوك الشخصية الإماراتية الوطنية التي تثق بحكومتها ثقة عالية وكبيرة بلا حدود.
وقال د.عبدالخالق إن الشخصية الإماراتية الحالية معتدلة (فكرا وسلوكا ونهجا)، تختلف اليوم حتى عن شخصية دول الجوار بسلوكها وتواضعها وانضباطها وتعاملها مع لغة العصر، والتعامل مع الآخر بشفافية وعقلانية ووضوح.
وهنا أتفق مع رأي صديقي الذي حلل وشخّص تركيبة سيكولوجية الشخصية الإماراتية الخاصة المتواضعة، التي تتسم بالهدوء والاعتدال والتواضع، وقد مكثت بدولة الإمارات العربية المتحدة أكثر من 30 عاما، وصادقت إماراتيين سواء على مستوى الشخصيات المهمة المعتبرة أو الثقافية والأدبية والإعلامية والصحفية والاجتماعية.
ولاحظت الشارع الإماراتي المنضبط والبيئة الصحية السليمة، ولم أجد منهم إلا الاحترام والتقدير والهدوء الساكن والرزانة والصدق والبساطة والوضوح، وانخفاض الصوت بالحديث مع من يعلو صوته أمامهم، وحين تجد أحدا يرفع الصوت بينهم ينسحبون بهدوء وذكاء وحكمة، سواء داخل البلاد أو خارجها، يتسمون بالمصداقية وضبط النفس مع من يختلف معهم، يحترمون الأنظمة والقوانين ولا يميلون للصدام أو النزاع والخلاف الحاد ورفع الصوت العالي أبدا، حتى مع من يجافيهم ويخاصمهم.
فهم يكتمون السر ويحفظون الوفاء، ولا يفجرون بالخصومة مع من يختلف معهم.
ولا يستفزون من قبل الآخر، لأنهم يتصرفون بتأن وعقل راجح، ويعملون بصمت دون بهرجة ولا يكابرون بالقول، ويتحدثون بهدوء إلى درجة الهمس!
ولا يزعجون الآخر بالجعجعة والمهابط والتطبيل والصراخ، ولا يتدخلون بأمور لا تخصهم، ويختصرون الكلام بما قل ودل، بلا ملحة، أو إزعاج، أو تكرار بالكلام، أو الحلف الزائد، لديهم ثقافة خاصة وأدب جم يتميزون به عن غيرهم، (وهم جليس صالح كحامل المسك).
وقلوبهم مثل ثيابهم (البيضاء)، لا يحقدون ولا يحسدون.. ويتمنون الخير للناس دون تميز، ويبدو أن هذه الخصال الطيبة والسلوك المنضبط الحميد الراقي ورثوها من إرث وأخلاق وتربية وسجايا والدهم الراحل الكبير الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه”، الذي وصف بأنه (حكيم العرب)، الذي أسس وبنى لهم هذا الوطن الموحد الشامخ المتميز بتطوره ونهضته وازدهاره، وترك لهم أثرا طيبا وكنوزا ثمينة، وهي تلك الأخلاق الحميدة الفاضلة.
الأخلاق مجموعة من سلوك وأفعال، تهدف إلى بناء مجتمع إنساني فاضل، والأخلاق أساس كل حضارة راقية، وهي رسالة كل الأنبياء، وقال خاتم الأنبياء رسولنا الكريم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
وقال الشاعر العربي أحمد شوقي: (إنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا).