فاطمة المزروعي
حيثما تكون مفاهيم التنوع والمشاركة، ستجد التطور والإبداع، وفي المجتمع الذي تجد بين أفراده قيم الانفتاح وقبول الآخر، ستلمس التقدم والتميز. وهذا بات واضحاً وملموساً، فمن خلال التجارب الإنسانية وتراكم الخبرات، ندرك أن الجمود والانغلاق سبب رئيس للتخلف والخسارة في ميدان النمو الحضاري.
ولعلنا نجمل هذا في مفهوم التنوع الثقافي، والذي بات واضحاً أنه يعتبر مخزوناً للإنسانية يثري الحياة، ويجعلها أكثر قابلية للتطور، فتعدد الثقافات، تماماً كقوس قزح، الذي يبهرنا بتعدد ألوانه. التنوع الثقافي يجب أن ننظر إليه وفق هذه الآلية، وليس كمهدد لثقافتنا وإرثنا، بل إن حماية الثقافات الأخرى يجب أن تكون وظيفة بالغة الأهمية، نسعى ونعمل وفقها.
لم تعد ثقافة ما هي المهددة، أو هي التي تواجه هجوماً لإلغاء وجودها، بل إن التنوع الثقافي نفسه بات محاصراً، ويواجه تهديدات جسيمة أمام مد الذاتية والأحادية التي تريد رؤية العالم بلون واحد فقط، أو سماع نغمة واحدة دون سواها. ولكن ليست هذه هي المعضلة، بل تكمن المشكلة بحجمها الحقيقي، في أن هذه الفئات غذت مجتمعاتها بثقافة معادية للتنوع وللآخر، في محاولة لإبقاء وجهات نظرها ومفاهيمها سائدة ومسيطرة على العقول. وهذه العقلية موجودة منذ حقب زمنية طويلة، وليس في العصر الراهن فقط.
في عام 1952، كتب عالم الأنثروبولوجيا الفرنسي كلود ليفي شتراوس، رسالة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، والتي تعرف اختصاراً بـ «اليونيسكو» قال فيها: «إن حماية التنوع الثقافي يجب ألا تقتصر على المحافظة على الوضع الراهن، وإنما التنوع نفسه هو الذي يجب إنقاذه، وليس الحالة الخارجية الظاهرة التي أسبغتها كل فترة على ذلك التنوع». نحن أمام تحدٍ كبير، فحمايتنا للتنوع الثقافي، هي في الحقيقة حماية لثقافتنا، وحرصنا على بقاء ألوان الطيف الثقافي في الوجود الإنساني، يعني بقاء إرثنا وأصالتنا كقيم نتغنى بها، ونبشر بها العالم بفخر واعتزاز.
(البيان)