صلاح سليمان
إذا كانت حرب غزة قد فضحت الوجه الأوربي المنحازسياسيا بشكل أعمى لإسرائيل، فهل أيضا هي غيرعادلة فيما يتعلق بالقضايا العالمية الأخرى.. الثقافية والاجتماعية وغيرها؟!
ليس أفضل من دليل هنا غير جائزة نوبل في الأدب التي تم منحها قبل حرب غزة بأسابيع قليلة إلى أديب نرويجي يكتب بالنروجية، وهي لغة مجهولة ليست لها أي علامات بارزة كالأدب الألماني أو الإنجليزي أو العربي مثلا ـ فلماذا إذن حصدت النرويج نوبل هذه المرة لتصبح المرة الرابعة في تاريخها الآدبي؟! وهل فعلا يستحق الأدب النرويجى الجائزة؟ـ أم أن الأمر يرجع إلى تسيسها مجاملة للدولة الاسكندنافية القريبة جدا الي السويد؟
أديب غير معروف
ترد اللجنة المانحة على تشكيك الكثيرين في اختيار الكاتب والمؤلف المسرحي النرويجي “يون فوسه” في الخامس من الشهر الماضي لمنحة الجائزة وتقول: ” إن ذلك تقديرا لمسرحياته الإبداعية، ونثره الذي يعبر عن المسكوت عنه!
ثم تري اللجنة كذلك إن أسلوبه يتسم بالبساطة، وهو من أكثر الكتاب المسرحيين الذين تعرض مسرحياتهم في مسارح أوروبا، ووفق اللجنة المانحة فإنه يطرح تنويعات مروعة في رواياته مثل رواية” الجيتار مغلق ” المنشورة سنة 1985 والتي صور فيها تلك الأم التي أغلقت الباب عندما خرجت لوضع زبالة المنزل في المكان المخصص لها، ونسيت رضيعها والمفتاح بالداخل، وعندما فشلت في الدخول. استطاع “يون فوسه” تصوير تلك اللحظات الحرجة ببراعة فائقة، فهو يصور الأم غير القادرة علي طلب المساعدة وترك الطفل وحيدا، لتجد نفسها في النهاية أمام القانون بسبب الإهمال، أبرز ما يميز ذلك السرد وفق اللجنة أنه يضع أمام القارئ مواقف من الحياة اليومية مفعمة بقدر كبير من الدفء والفكاهة والحيرة والمسؤولية!
نوبل تظلم أدباء العرب
لكن مع كل ذلك نعود للسؤال وهل فعلا يستحق الأدب النرويجي هذه الجائزة أو كل هذه الجوائز بعد ما فاز بها في سنة 1903 أول مرة “بيورنستيارته بيورنسونو”، ثم “كنوت همسون “سنة 1920، و”سيجريد اوندست” 1928، رغم بروز الكثير من كتاب وأدباء العالم الناطقين بلغات اخري!
اذا نظرنا نحن أهل الشرق إلى إبدعات الأدب العربي، والذي يتحدث قطاع كبير من البشر بلغته العربية، نجد أن الأمر ليس عادلا ولا منصفا أن يفوز فقط “نجيب محفوظ” بنوبل، في حين أن مبدعين آخرين مثل طه حسين وتوفيق الحكيم والعقاد ويحيى حقي ويوسف إدريس، والشعراء محمد مهدي الجواهري ومحمود حسن إسماعيل وصلاح عبد الصبور ونزار قباني ومحمود درويش وأمل دنقل كانوا يستحقون هذه الجائزة بكل تاكيد. فهل فعلا جائزة نوبل مسيسة وغير عادلة؟
لا يمكن إذن استبعاد عنصر المجاملة خاصة وأن السويد التي ينتمي إليها مؤسس الجائزة ألفريد نوبل، كانت كانت ترتبط باتحاد مع النرويج. وعندما أعلن نوبل عن تأسيس جائزته، دشن هذا الإعلان من النادي السويدي النرويجي في باريس. ثم إن النرويج فاعلة في اختيار نوبل للسلام واللجنة التي تمنح الجائزة هي لجنة نرويجية.
طه حسين يعرف اسباب الاستبعاد
كان طه حسين الذي رشح لها أكثر من مرة بعيد النظر ومدركا الأبعاد السياسة والجغرافية التي تحول بينه وبين الجائزة، وهو نفسه الذي قال ذات مرة ة في أحد اللقاءات” أنا أعتقد أن تكون جائزة نوبل هي إلى أن تكون سياسية أقرب منها إلى أن تكون جائزة أدبية، فهي تمنح لمن تريد لجنة الجائزة أن ترضيه من الساسة “
ليس بعد طرح طه حسين طرحا آخر يمكن أن ينصف الجائزة عربيا، بل إن نقادا عرب كثيرون يرون أن عدم فوز طه حسين عام 1949 حسب وجهة نظرهم يرجع إلى قيام دولة إسرائيل وشنها حرب على الدول العربية قبل ذلك بعام واحد (1948)، واحتياجها لطمس الهوية العربية في العالم وعدم ذكرها
من هذا المنطلق لا يمكن اتهام الأدب العربي بأنه بعيد عن الغرب فكلاهما طه حسين وتوفيق الحكيم من أبرز الأدباء العرب المعروفين في الدوائر الثقافية الفرنسية وكلاهما له كتب مترجمة إلى الفرنسية والإنجليزية.
ماهو الأدب النرويجي
لكن كيف يمكن لنا تعريف الأدب النرويجي؟ أنه وفق الموسعة الأدبية العالمية هو الأدب الذي يتألف من الأدب الأيسلندي القديم في القرون الوسطى، ومعظم الأدب النرويجي القديم عبارة عن شعر قصصي، وتعد الفترة مابين القرن الحادي عشر وأوائل القرن الثالث عشر هي العصر الذهبي للأدب النرويجي القديم حيث كان الشعراء يلقون الشعر في المحافل العامة ويتبعون أوزانا وبحورا دقيقة، وتعبيرات واستعمالات لغوية خاصة، ثم عني الشعراء بالشكل حتى فقد الشعر حيويته ونشأ نوع جديد من الشعر دخلته القافية لأول مرة .
كاتب أغاني يفوز بنوبل
الجدل حول نوبل للأدب قديم، فقد فاز بها على مر السنين أشخاص خارج نطاق التقليد الروائي، بينهم كتاب مسرحيون ومؤرخون وفلاسفة بل منحت سنة 2016 للمغني وكاتب الأغاني بوب ديلان عام 2016. وفازت الكاتبة آني أرنو بالجائزة العام الماضي عن كتبها التي تعكس سيرتها الذاتية إلى حد بعيد وتتناول الذاكرة الشخصية وعدم المساواة الاجتماعية، مما يجعلها أول امرأة فرنسية في العالم تفوز بجائزة الأدب المرموقة.