د. علي القحيص
حين اخترع «صامويل كولت» سلاح المسدس قال: اليوم يتساوى الشجاع والجبان! وبعد ذلك بفترة قال مخترع «الفيسبوك»: اليوم يتساوى المثقف والجاهل! وعموماً فإنه بعد ظاهرة التطور المذهل في تقنيات الاتصال وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة بشكل مهول ومتسارع، وتضاعف محتوى «السوشال ميديا» بمتوالية هندسية هائلة، وطروحاتها المثيرة للجدل في فضاء افتراضي مفتوح لا تقيده ضوابط موضوعية ولا أخلاقيات مهنية..
أصبح متاحاً لكل مَن هبَّ ودبَّ دخول هذا الميدان الواسع، فقط يكفيه أن يكون في يده هاتف ذكي وحساب على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى يصبح من المشاهير!فيما مضى كان مكان الكتابات البذيئة على الجدران العامة وداخل دورات المياه، وكان القيام بكتابتها يقتصر على المراهقين وبعض التافهين فقط، كأسلوب للتعبير عن أفكارهم وآرائهم السطحية، مستخدمين عباراتٍ مبتذلةً وغير لائقة قوامها الألفاظ النابية والشتائم والتشهير بالآخرين. كانوا ينتقدون المجتمع بسذاجة ودون وعي، أو يهاجمون شخصيات سياسية أو فنية بعينها، وربما بهدف انتقام شخصي مباشرة.
أما الآن، ونتيجة لهذا التطور التقني المذهل وانتشار الإنترنت في كل مكان، وسهولة التواصل الافتراضي عبرها، فقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي هي المرتع الجديد لفئة أخرى من الأشخاص يمارسون نقدَهم غير المسؤول، لكن مع ازدياد خطره بسبب سهولة وصول «السوشال ميديا» لكل مكان وكل بيت دون عوائق تمنعها، معتمدةً في محتواها الجديد على وسائل جذب مثيرة للغرائز. لقد أصبحت «صناعة المحتوى» مهنةَ مَن لا مهنةَ له، إذ تم تفريغها من محتواها بسبب أن كل مستخدم لهذه الوسائل التفَّ حوله بعض المتابعين، أصبح يعتبر نفسَه «صانع محتوى»، بغض النظر عن قيمة المحتوى الذي يقدمه وطريقة تقديمه!
وللأسف فقد اختلط الحابل بالنابل، وأصبح الفارغون فكرياً يحسبون أنفسَهم على المثقفين أو الإعلاميين أو الصحفيين، ويطلقون على أنفسهم «مشاهير السوشل ميديا»، وهم لا يفعلون أكثر من نشر أحاديثهم وتحركاتهم وتصويرها وبثها عبر حساباتهم، رغم أن كثيراً منها لا يتضمن قيمةً، بل لا يليق بمجتمعاتنا الشرقية التي تحترم القيمَ والأخلاقَ الحميدة وتسعى لتربية الأجيال الصالحة وتطمح للمحافظة على عاداتها وتقاليدها ومنع شبابها من الانحراف في عالم هائج مائج!
وقد ازداد خطرُ كثير من هذه المحتويات والمنشورات عبر المواقع والبرامج والتطبيقات، والتي أصبحت ظاهرة منتشرة في كل منزل وكل وسيارة وكل مكتب، من خلال توفر الهواتف وتطبيقاتها الذكية وإتاحة الإنترنت بسهولة، دون حسيب ولا رقيب من الأسرة ولا من المدرسة أو أي جهة أخرى يخولها القانونُ القيامَ بذلك الدور الرقابي!
هناك مِن هؤلاء مَن يتوهمون أنهم مؤثرون ومشاهير وصناع محتوى، فيركبون موجةَ البرامج والتقنيات الجديدة، وسيلتهم المفضلة في التعبير هي الهجوم بلا قواعد والنقد بلا حدود، مستهدفين نقض الثوابت وهدم القيم وتشويه الأخلاق.. وهم يظنون أنهم أصبحوا أبطالاً ونجوماً مثل نجوم السينما، فيسعون بشتى الطرق والأساليب لكسب المال على حساب الفضيلة وعلى حساب عقول أبنائنا وبناتنا وأسرنا.. دون ضوابط لوقف هذا السيل الجارف الذي تعدى حدود المعقول!
*كاتب سعودي