د. علي القحيص
كانوا في الماضي يقولون لنا: أنت الآن طفل والمستقبل المشرق أمامك، فنتمنى أن نكبر بسرعة كي نصل إلى هذا المستقبل المشرق ونحظى بخيره وسعادته، ويصبح لدينا إدراك ومعرفة بما حولنا.. لكن لما كبرنا كبرت معنا همومنا. وحين أردنا أن نستريح، بعد أن اشتعل الرأس شيباً وبلغنا من العمر عتياً، أصبح العالَمُ من حولنا مخيفاً، إذ بات بعضُه يأكل البعض.
والإنسان السوي العاقل لا يمكن إلا أن يتأثر بما حوله من خراب ديار وتحطم أحلام في عالم أصبح يتسابق لتدمير بعضه البعض، بلا هوادة ولا رحمة! الأرقام التي تتحدث عن معدلات الفقر والبطالة والجوع وأعداد المشردين والمهجرين.. مخيفة جداً. وفي ظل أوضاع كهذه يتراجع التعليم ويرتفع غلاء المعيشة ويتزايد التضخم. ورغم تقدم العلوم والتقنيات والصناعة والطب.. فإن الأمراض تفتك بالفقراء والنازحين في الملاجئ وعلى أرصفة اللجوء والتشرد.
ورغم كثرة المصانع وزيادة الإنتاج والإيرادات في البلدان الأجنبية وغيرها، تخرج المظاهرات والمجاميع يهاجمون الأسواق والمتاجر بسبب الغلاء والإفلاس. ورغم زيادة إنتاج السيارات وتكدسها في المخازن، فالمعروض منها ترتفع أسعاره. ورغم إتلاف الأطعمة وبقاياها في الفنادق وغيرها، تجد الناسَ في بلدان كانت ذات يوم مستقرة ومزدهرة يتحسرون على رغيف الخبز.
ورغم زيادة البناء من العمارات والشقق والمشاريع العقارية، تجد عوائل لا تستطيع شراء غرفة تحميها من برد الشتاء وحر الصيف. وبينما ينهمك العالم في تصنيع الطائرات المقاتلة والصواريخ العابرة للقارات والدبابات المكيفة وكواتم الصوت وشتى أنواع الأسلحة الفتاكة.. فإنه لا يستطيع تأمين طفل كي يذهب إلى مدرسته ويعود إلى بيته آمناً مطمئناً.. ولا يستطيعون علاج امرأة عجوز لا تستطيع توفير المال لغسيل كليتها.
وفي كل يوم تنشب حرب وتقوم أزمة جديدة، ويشتعل حريق في غابة أو في مصنع للعب الأطفال أو حليبهم ويتحطم مستشفى.. والعالم منهمك في صراعاته حتى بات كما لو أنه ترسانة أسلحة وبركان ملتهب، بسبب الخلافات والاحتقانات والتوترات. وكل هذا فضلاً عن ارتفاع نبرة العنصرية ومؤشرات الكراهية وخطابات التعصب وشعارات التطرف ومواقف إلغاء الآخر.. في عالم ما فتئ يصدّع رؤوسنا بدعاوى حقوق الإنسان وحريته وحصانته! وكل ما تمت محاكمة شخص يريد فرضَ رأي مخالف للسياسات العامة أقامت المنظماتُ الدولية والمؤسسات الإنسانية الأجنبية الدنيا ولم تقعدها، بحجة حرية الرأي والفكر! واليوم هناك ملايين البشر يكتوون بنيران الحروب والصراعات والأزمات.. ويضطرون للفرار من ديارهم لأسباب مختلفة، ولا أحد يحرك ساكناً، فالعالم مشغول بقضايا جانبية لا تمس الهم الحقيقي للبشرية.
يموت مئات الأطفال وكبار السن بسبب الحروب والنزاعات والتوترات.. وهناك من يتبرعون بملايين الدولارات لزيادة النار حطباً واشتعالاً، وبالتالي لتعميق المأساة وتوسيع دائرة الكارثة.
فأين حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية الدولية من هذا الفلتان العالمي الذي يموت فيه الناس يومياً بسبب الحروب، وتتعرض العوائل للتهجير من بيوتها ومدنها.. وكل ذلك بسبب سياسة النظام العالمي الجديد الذي قرر على ما يبدو أن يتعايش مع الحروب المدمرة والأوبئة الفتاكة حديثة المنشأ؟!
*كاتب سعودي